العدد 5969
الأحد 16 فبراير 2025
تكافؤ الفرص
الأحد 16 فبراير 2025

كثيرًا ما يسألني البعض، هل “تكافؤ الفرص” شعار لمرحلة، أم أنه رسالة لمن يهمه الأمر؟ هل هو حقيقة نعيشها، أم وهم نتشدق به، أم وعد ليس لدينا سلطان عليه؟
“تكافؤ الفرص” قد يكون شعارًا لمرحلة، وقد يصبح رسالة مجتمعية لا نستطيع أن ننفصل عنها، وقد يتحول الشعار إلى مشروع وطني تقف الدولة خلفه، ويتشارك فيه الجامعات ورجال الأعمال. هذا هو ما كنا نحاول أن نرسي معالمه على مدى ثماني سنوات ونحن ننظم المؤتمر السنوي لتكافؤ الفرص بين المرأة والرجل، برعاية كريمة من رئيس مجلس النواب السيد أحمد بن سلمان المسلم، وهو ما جعلنا نتجه إلى حقيقة مفادها أن تكافؤ الفرص ليس مجرد حلم بعيد المنال، بل هو حقيقة في مجتمعنا البحريني الجميل.
تكافؤ الفرص هو تكافؤ بين المرأة والرجل ليس في الحقوق السياسية والشخصية والمواريث وتوزيع فرص العمل، لكنه تكافؤ في فرص البحث العلمي وتحصيل المعرفة، تكافؤ في تنمية العقل البشري للأمة، والدفع به إلى الوعي المشروع لبناء دولة النهضة والحضارة، وهو تكافؤ في الحصول على فرصة علمية نادرة، وعلى معلومة معرفية لم يسبق لها مثيل، وعلى جدارة وطنية لم تبخل بها المرأة على بلادها مثلما الحال كذلك بالنسبة للرجل.
صحيح أن تكافؤ الفرص في ظل مشروع تمكين المرأة الذي أرسى دعائمه المشروع الإصلاحي الكبير لمليكنا المعظم، وقامت بتبنيه قرينته الفاضلة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، وصحيح أن هذا المشروع مازال يتمتع بالرعاية الكاملة من جلالته ومن سموها، حفظهما الله، إلا أن مؤسسات المجتمع المدني كان لابد لها أن تتلقف هذا المشروع وتسعى لتحويله إلى مشروع وطني شامل ليتحول إلى ملحمة مجتمعية تحكي عنها الأجيال، وتتحاكى بها الدول الأخرى والمجتمعات.
وبالفعل، كان لزامًا علينا كأكاديميين أن نضع الحصان أمام العربة، وأن نبدأ على الفور في تحويل هذا المشروع الخلاق إلى برنامج عمل، إلى فرص مواتية للبحث العلمي، لدرجة أن المؤتمر الأخير لتكافؤ الفرص الذي نظمته جامعتنا الفتية قد شهد تقديم أكثر من 200 بحث محكم في مختلف المجالات العلمية والمجتمعية، حيث فازت جامعة سعودية وأخرى بريطانية ببحوث أضافت لمنظومة الفكر الإنساني الخلاق، كما كانت المرأة رائدة كعادتها في المساهمة بدور طليعي له تأثيره في المجتمع، بل لديها من الحلول للمشكلات والقضايا الاقتصادية والمعضلات العلمية والفكرية والمجتمعية ما يؤهلها للفوز بجائزة الأفضل من بين البحوث الأخرى العديدة التي استقبلناها على الرحب والسعة، والتعاطي مع نتائجها الخلاقة.
تكافؤ الفرص، يتحقق عندما يؤمن المجتمع بأن للجميع حق في العلم ليصبح كالماء والهواء، مثلما قال عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وذلك بعد أن عاد من رحلة علم تنويرية نقل بها المعارف الفرنسية والثقافات من الدول المتقدمة إلى المشرق العربي بأسره.
هنا كنا دائمًا مع “تكافؤ الفرص” على المحك، ليس بالشعار الفضفاض أو الكلمة الرنانة، أو الخطاب الحماسي، إنما بالعمل المتواصل والتفكير الملتحم مع التطبيق، والإيمان بأن في بلادنا ثروة بشرية يمكنها عمل المستحيل من أجل أن تتحول بلادنا إلى مصانع متقدمة لإنتاج المعرفة الرقمية والتكنولوجيا الفارقة، وأساسيات التفكير الابتكاري في مختلف مناحي الحياة، وفي شتى بقاع الأرض.
“تكافؤ الفرص” فرصة ذهبية لابد من اقتناصها لكي يتحول مجتمعنا إلى قلعة حضارية تتعلم منها الأمم، وتساهم بها في تأسيس مجتمع الرفاه المستدام، وذلك الذي يحلق في سماوات العلم “الرحيم”. تعلموا، وأنتجوا، وتقدموا، وساهموا في بناء الحضارة، وإنتاج المعرفة والتقدم، ولا تتركوا أنفسكم فريسة فقط لاستهلاكها، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية