العدد 5962
الأحد 09 فبراير 2025
التربية الإيجابية!
الأحد 09 فبراير 2025

هو الملتقى العلمي الدولي الأول للتربية الإيجابية الذي نظمته ثلاث جامعات مصرية خلال الأيام القليلة الماضية، ولحسن الطالع أنني كنت في زيارة قصيرة للقاهرة بهدف الاطلاع على النسخة 56 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، عندما وصلتني دعوة من ثلاث جامعات مصرية هي جامعة طنطا، وجامعة كفر الشيخ، وجامعة السلام، لأترأس شرفيًا هذا المؤتمر الدولي المهم.
ونظرا للمكانة التي تحظى بها مصر وجامعاتها في قلبي، لم يكن أمامي مفر إلا الموافقة على الحضور وقبول الرئاسة الشرفية، بل وإلقاء كلمة في حفل الافتتاح الذي حضره عدة وزراء وعلماء وأكاديميين، وكان مكتظًا برجال المال والأعمال والصحافة والإعلام، والشخصيات المصرية والعربية والدولية العامة، بالإضافة إلى علماء التربية والتعليم وهؤلاء المتخصصين في قيادة منظومة البحث العلمي التربوي في بلادهم.
وعلى الفور، أعددت كلمة تناسب هذا الحدث العلمي التربوي، وكنت قد ارتأيت في مطلع الكلمة أن أنقل تحيات شعب البحرين الوفي من أرض الخلود إلى الشعب المصري الشقيق في أرض الكنانة، هي أصدق تعبير عن عمق الروابط ووشائج القربى بين هذين الشعبين المكافحين، صانعي الحضارة والتاريخ، وعنوان المحبة والإخاء.
إن عنوان هذا المؤتمر يوحي بأهمية التربية الإيجابية، تلك التربية التي ينتظر المتعاطين معها نتائج على مدى الأيام من الدراسة والتحصيل والتوجيه، وهي التربية التي ينتج دائما عنها جيل جديد يعرف ما له وما عليه، ما له من حقوق، وما عليه من واجبات، حقوق في الحصول على المعرفة السليمة المدججة بالعلوم والتكنولوجيا الفائقة، وتلك التي تضع الإنسان في غربال التصفية الإجبارية لكل ما هو دخيل، والتمسك بكل ما هو ثابت وتاريخي وأصيل.
إنها حالة مفروضة علينا بأن نفتح من أجلها جميع النوافذ العلمية ولا نبخل عن شعبنا بالعلوم المُحَدَّثة والآداب الرفيعة والفنون المتقدمة، حتى ينمو مجتمعنا ضمن عاداته وتقاليده، ووسط معتقداته وثوابته، مع الحرص على عدم الإخلال بقوانين المعرفة المتقدمة، والتكنولوجيا المتسارعة، إلى جانب الاهتمام بالبحث العلمي الذي يضع بلادنا، من خلال باحثينا وعلمائنا، في الصفوف الأولى لصناعة الحضارة، وزراعة الوعي المعرفي الراسخ، وتأكيد أهمية المساهمة في إنتاجه وليس التوقف فقط عند محطات استيراده واستهلاكه.
لقد عشنا ورأينا كيف تطور العالم بتخصيص ميزانيات تفوق معدل الـ 3.5 % من الناتج الإجمالي للدول المتقدمة المصدرة للتكنولوجيا في العالم، وكيف أن هذه الدول بما فيها إسرائيل تنفق على علمائها، على معامل تجاربهم، على أجهزة الإرسال والاستقبال لديهم، على علوم المواد والأمراض ومكافحة الأوبئة، ثم كيف نحن كعرب رغم إمكانياتنا المالية الهائلة لا نصرف أكثر من 0.002 % من إجمالي الناتج المحلي لبلادنا، هو ما يضعنا دائمًا محل شك وعجز عن التقدير، وفشل عند المنافسة مع الدول التي سبقتنا، وتلك التي نقف أمامها على أهبة الاستعداد وقبول التحدي، وهي تنتصر علينا في جميع معارك الحياة، وآخرها معركة الوجود في غزة.
لن ألوم ترامب الذي تطاول على حقوق الإنسان في القطاع المنكوب، مُطالبًا باختطافه ليكون جزءًا من الولايات المتحدة، شأنه في ذلك شأن بنما وجرينلاند وأجزاء من كندا التي يُطالِب بضمها. لن ألوم الرجل وهو يرى فينا مجرد دول لا تستطيع الدفاع عن نفسها، ولا عن أرضها، ولا عن شعوبها، ليس لأن القوة العسكرية الإسرائيلية أكثر فاعلية وفتكًا بنا، أو أكثر إعدادًا من قوتنا العسكرية العربية، لكن لأن خلف الآلة الحربية الصهيونية عِلم، تكنولوجيا متقدمة، بحث علمي، معرفة فائقة، صحيح أن معظمها يأتي إليها جاهزا من الغرب، وصحيح أننا مازلنا في مرحلة ألف باء بحث علمي، وأن جامعاتنا ما زالت تسعى مع المراكز البحثية الحكومية أو الهيئات الخاصة المجتهدة عن طريق وسيط يؤدي إلى تطوير صناعة البحث العلمي في بلادنا، لكن كل ذلك لن يُكتَب له النجاح من دون إرادة ووعي، ومن غير مال وإنفاق وسعي. 

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية