العدد 5955
الأحد 02 فبراير 2025
زيارة خاطفة إلى القاهرة
الأحد 02 فبراير 2025

تعودت على زيارة مصر العربية منذ نعومة أظفاري، لا وجه للمقارنة بين الأمس واليوم، بين الماضي والحاضر، جميعنا يتشدق بالرموز عندما يأتي الحديث عن الثقافة، عن الفكر والعراقة، عن الأصول والطقوس، جميعنا يهلل ويبكي على طه حسين، على العقاد، على نجيب محفوظ وزكي نجيب محمود، على أمير الشعراء شوقي وإبراهيم ناجي بطل أطلال أم كلثوم، وغيرهم كثيرين.
عندما أزور القاهرة أحن إلى الماضي، إلى هذه الأساطير، إلى نسيم المتاحف والقلاع، وإلى مصاطب الصعيد البعيد وكهوف المقطم البديعة، إلى النيل العظيم وبواخره الأثرية العتيقة، وما بين الماضي والحاضر “عمر العمر”، آثار وأشعار، أفكار وطرق وكباري ومدن جديدة وأسرار، نعم أسرار المقابر القديمة، نعم أسرار المكتبات التاريخية والمقاهي العتيقة، ريش ونجيب محفوظ والفيشاوي، السيدة زينب وحي الحسين عليهما السلام، المقامات والأضرحة، المنارات والفنانات وبوابات قاهرة المعز، وقصور المماليك والتكايا الخديوية، ومحالج الأقطان، وريف الشمال المصري البهيج دائمًا. لم يمنحني الوقت القصير فرصة لأشبع رغبتي في الاطلاع على الحضارة من بوابة المتولي، أو شارع الغورية، أو أسواق الموسكي المضاهية لسوق الحميدية في دمشق الرائعة، وتلك التي تضاهيها في أسواق بغداد التي لا تُنسى، عواصم عربية تجعلني أشعر بالفخر لأنني عربي، لأنني أنتمي إلى هذا التراب الأثري، وإلى ذلك التاريخ الحضاري، بل وإلى الحاضر المغموس في تماثيل الميادين العملاقة والشوارع الناطقة، أخيرًا وليس آخرًا معرض القاهرة الدولي السنوي للكتاب، في نسخته الـ 56، ملايين الكتب وآلاف دور النشر العربية والعالمية.
كل ذلك التقى مع الناس في طقس شتوي بديع، وفي حالة اجتماعية نادرة أشعرتني بأن الدنيا مازالت بخير، وأن الحياة لم ولن تتوقف عند أزمة اقتصادية هنا، أو مشكلة طارئة هناك، الحياة تمضي بشعبها وتاريخها وأزماتها، وعلمائها وأدبائها وهم يحملون مؤلفاتهم بين أياديهم، ومستقبلهم على أهبة الاستعداد لغدٍ جديد.  لم أفقد الأمل أبدًا في أن أمتنا تستطيع النهوض، ولم يخذلني إيماني ولو لحظة واحدة بأن الأمة التي أنجبت هذا الكم من العلماء والأدباء والمفكرين والمبدعين يمكن أن ينال منها غاصب أو حاقد أو طامع أو محتل، والذي لا يصدق يمكنه أن يتجول بين المنامة والمحرق والرياض والقاهرة والإسكندرية ومراكش ودبي، عندئذٍ سوف يفرح، وسوف يخرج من انكساراته وضعفه، فها هي أمتنا واقفة في وجه مشاريع التهجير والقتل والتنكيل بشعبنا الحر في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق والسودان واليمن، إنها أمة عربية لها ما لها، وعليها ما عليها، والله الموفق والمستعان.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية