قد يقول قائل: لقد طرقنا هذا الباب من الفكر منذ قديم الأزل، فلماذا نطرقه الآن؟
السبب وجيه ويعود إلى قرار تاريخي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أول يوم عمل له بالبيت الأبيض، أما القرار فهو تأسيس شركة للذكاء الاصطناعي برأسمال 500 مليار دولار، هو ما يعني ضخ استثمارات قد تصل إلى خمسة تريليونات دولار بعد أن يتمدد النشاط، ويصل إلى محبيه، ويصب في مصلحة مستحقيه.
دونالد ترامب التاجر قبل الرئيس، ورجل الأعمال قبل السياسي، وصاحب الضجة الأكبر في انتخابات الرئاسة الأميركية قبل الحمل الديمقراطي “الوديع”، الذي جاء بصناديق اقتراع الرئاسة قبل أربع سنوات، ولم ينتج عنه سوى دمار أكثر للشرق الأوسط، وحرب ضروس في قلب أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، ودول تخرج من تحت آباط الإرهاب لتزاح من قائمة “الجنائية الدولية”، ويصبح المسؤول الأول عنها حرًا طليقًا، ورجلاً صالحًا.
ترامب، الذي أصدر 47 قرارًا في أول يوم عمل بالبيت الأبيض، لم يتجاهل استفادته من إيلون ماسك، ومن علماء التكنولوجيا الذين صادقهم وصادقوه، وبدأ أول أيامه بالعِلم ثم العِلم، وأول قراراته بإنشاء أضخم شركة في عالم الذكاء الاصطناعي لكي يعيش عليها العلماء، ويتاجر بمنتجاتها أسواق المال، وتتندر باختراعاتها الجامعات ومراكز البحث العلمي.
لكن.. لماذا البحث العلمي وحده هو الذي يتصدر أولوياتنا هذه الأيام؟ لأنه ولسبب بسيط هو الذي يأخذنا من دوائر الاستهلاك المغلقة، إلى عوالم الإنتاج المفتوحة، من استيراد المعرفة بتكلفتها الباهظة وفوائدها المحدودة، إلى تصدير هذه المعرفة بنتاجها الابتكاري المتميز وخوارزمياتها الإنسانية المدهشة.
الجامعات العربية، وفي مملكتنا الحبيبة البحرين، بدأت تولي جُل اهتماماتها بالبحث العلمي كونه مركز إشعاع وتنوير وعلاج لمشكلات المجتمع، وقضايا الشركات الخلافية، والأزمات الاقتصادية والعلمية والمجتمعية والطبية وغيرها، هو ما أدى إلى اكتشاف علاجات شافية من أمراض مستعصية على الزمان، وفي الفترة الأخيرة تحديدًا لم يعد مرض السرطان أو نقص المناعة عويصًا للحد الذي يذهب بصاحبه إلى الدار الآخرة، نتيجة لعجز طبي فادح أو لسوء تقدير علمي مزمن.
أصبحت الأمراض مُسيطَرا عليها من خلال البحوث العلمية في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وغيرها، وأصبح البحث العلمي هو القاطرة المهارية التي تقود قطار الحياة الصعب وسط تيارات هائلة من العوامل المضادة، والظروف المستحيلة، والمناخات غير الملائمة.
لقد حاول أكثر من مؤتمر علمي أو أكاديمي خلال الآونة الأخيرة إيجاد حلول ناجعة لمشكلات مجتمعية متراكمة، أهمها قضايا الفقر والجهل والمرض والبطالة، وسوء مستوى المعيشة، وعدم التوازن بين أرباح وخسائر الشركات، أو بين عائدات ومصروفات العائلات وحتى الدول.
البحث العلمي بات بمثابة الظهير المعرفي الجديد الذي يمكن الاتكاء عليه، بشرط أن تنتبه الحكومات وتبدأ في تخصيص ميزانيات تعالج أوجاع المجتمعات، وتعادل الحاجة المتعاظمة الملحة للناس، وتلك التي تؤرق مخادع أرباب العمل عندما تركد الأسواق، وتتضخم الأسعار، ويختفي المستهلك المعتل من دائرة الأمل لدى التجار.
البحث العلمي لابد أن تُخَصّص له ميزانيات يعول عليها، وتشجع وتدعم القائمين عليه، وتوفر لهم المعامل والأدوات ومراكز البحوث، هو ما سوف يضعنا في مكان آخر من هذا العالم، وهو ما ليس على بلادنا بالكثير.