الزيارة كانت إلى عمق “السلطنة” المهيب، إلى جامعة صُحار، حيث الدعوة لحضور مؤتمر التعاون الأكاديمي العربي الدولي، ودور البحث العلمي في الإبداع والابتكار، وحيث التواجد الضروري كرئيس لرابطة المؤسسات العربية الخاصة للتعليم العالي، وحيث التنظيم المشترك مع اتحاد الجامعات العربية.
عندما وصلتني الدعوة لم أتردد في المشاركة، وليس فقط بالحضور، في المناقشات والاطلاع على البحوث وأوراق العمل، وليس للاستماع فحسب، وحيث مستقبل المستقبل الذي أصبح رهينة في يد المتميزين والمبدعين والمبتكرين من عالمنا الضيق جدًا على “بلاد الله خلق الله”.
البحث العلمي وبلادنا، البحث العلمي وقدرتنا على الابتكار، ومواكبة علوم وتكنولوجيا العصر، فالبحث العلمي حيث الطريق إلى الحضارة والمساهمة في بنائها والحفاظ عليها، وحيث مشوار الألف ميل الذي قطعته الدول المتقدمة غربًا وشرقًا آسيويًا، بل وتجاوزته بملايين السنوات الضوئية.
كيف يمكن أن نحافظ على وزننا وزماننا وقوتنا، ونحن نعبر زماننا العربي بملايين السنوات الضوئية؟ كيف نصل إلى هذه الإحداثيات ومازلنا غير قادرين على العبور إلى داخل احتياجاتنا، إلى عمق إمكاناتنا، وإلى تلمس العفو والصفح والسماح والمغفرة من مراكز بحثية مازالت غير قادرة على العبور، وجامعات عربية لا تمتلك من الحقائق العلمية سوى قوت يومها، وحالات تتمكن بتوفيق من الله، ودعم من إرادته عز وجل، واستقبال منقطع النظير من أصحاب الفرص الذهبية التي تتاح لهم في دولة متقدمة من الغرب أو الشرق أو ما بينهما؟
بعد المشاركة في هذا المؤتمر العلمي الكبير، الذي يضم علماء عربًا وأجانب، خرجت مثلما غيري بتوصية ذاتية مفادها أن التعاون العربي ممكن، وأن المشاركة الجماعية في البحوث العلمية قد يكتب لها النجاح لو كانت تتم ضمن خطة شاملة، واستراتيجية لا تنفصل أبدًا عما وعدنا به أنفسنا على طريق التنمية المستدامة.
المشكلة في التمويل، لأن تكاليف البحوث العلمية لا تغطيها عبقرية باحث، ولا أسطورية بحث، بقدر ما يلعب التمويل دورًا محوريًا فيها، الدعم المالي والتعاون العربي المحتمل، نعم .. إنه التعاون العربي المؤكد، هذه هي فرصتنا لكي نساهم في صناعة الحضارة ورسم خارطة مستقبل الحياة، نعم .. هي النهضة التي سبقتنا إليها دولا كانت متأخرة عنا، وأصبحت متقدمة علينا، القوة العلمية التي نستوردها ولا نساهم في إنتاجها إلا أقل القليل.
ندوة أو مؤتمر “صُحار” أعاد إليّ الأمل بأن التعاون العربي ممكن، وأن الإنفاق على استراتيجية حد أقصى، وليس حد أدنى، يمكنها أن تؤتي أُكلها لو امتلكنا إرادة التعاون، ولو حرصنا على تتويج بحوث أجيالنا الطالعة بالتسجيل المبكر في المجلات والدوريات البحثية المحكمة، ولو اعترفنا بيننا وبين أنفسنا أن الوقت قد حان لكي تصبح لدينا مجلات ودوريات بحثية عربية يحج العالم إليها، بدلاً من أن نظل طوال الوقت منتظرين على أبوابها، طالبين الرضا والسماح.
صحيح أنه لا يصح إلا الصحيح، لكن الصحيح أيضًا أن هذا الصحيح لابد له من رؤية، من خارطة طريف بحثية عربية، من تعاون إقليمي يؤدي إلى قناعة دولية، من شراكات على أعلى مستوى، بدلاً من فتافيت التعاون التي لا تغني ولا تُسمن من جوع، إلى استمرارية هذا التعاون، بدلاً من أن يكون الحماس هو الذي يدفعنا إلى هذا التعاون، وعندما يفترق كل منا في طريق، وتصبح لقاءاتنا مجرد صورًا تذكارية في كتاب، أو ذكرى خالدة تلوح أشباحها في غياهب مستقبلنا بعد أن تضيع منا كل الفرص، وأية فرص.