العدد 5967
الجمعة 14 فبراير 2025
حرب الذكاء الاصطناعي بين مؤيدي التقنين وعدمه
الجمعة 14 فبراير 2025

انتهت أمس، 12 فبراير 2025، أكبر قمة عالمية حول الذكاء الاصطناعي في فرنسا، بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الهندي ومنظمة الدول الأوروبية، بالإضافة إلى العديد من دول العالم، وعلى رأسها الصين صاحبة “الديب سيك”، ومئات من الشركات العالمية المتخصصة في صناعة الذكاء الاصطناعي. وصدر القرار المدوي من هذه القمة، التي تُعد أكبر قمة عالمية تُعقد لدراسة الذكاء الاصطناعي والتعامل معه. والقرار المهم الذي صدر ينادي بضرورة وضع التشريعات والقوانين والأنظمة الأخلاقية لضبط الذكاء الاصطناعي، وعدم ترك الأمور تسير دون ضوابط، حتى لا يغرق العالم في الفوضى. وقفت فرنسا والعديد من الدول الأوروبية، بالإضافة إلى غالبية الشركات العاملة في هذا المجال، مع هذا القرار. ومن الجدير بالذكر أن الصين والهند، وهما من أكبر دول التقنية، دعمتا القرار وأيدتا ضرورة التقنين والامتثال للأخلاق في كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.

وهذا القرار، أو بالأحرى، هذه الدول ليست ضد الذكاء الاصطناعي أو ضد التقدم التقني، ولكن يجب أن يتم كل شيء وفق الضوابط القانونية والأخلاقية، وبعد ذلك ليتنافس المتنافسون وليحصد من يزرع لمصلحة البشرية. ولا يفوتنا أن نقول إن هذا التوجه يتماشى مع نفس المسار الذي تدعو له منظمة الأمم المتحدة، التي قال أمينها العام، وبكل صراحة، إن الذكاء الاصطناعي أخطر من “القنبلة الذرية” إذا لم يوضع تحت مظلة الأنظمة القانونية والأخلاقية. وبالطبع، يتفق الكثيرون ممن يهتمون بمستقبل البشرية مع هذه التوجهات المنطقية التي تجعل التقدم التقني يسير في المسار الآمن والسليم.

ومن جانبه، قال نائب الرئيس الأميركي الجديد، الذي كان حاضراً في المؤتمر بباريس، إن أميركا ضد وضع الحواجز في طريق التقدم التقني، الذي يجب أن يُفسح له المجال لينمو ويتطور دون تدخل من الدول. وبمعنى آخر، لا حاجة للضوابط الأخلاقية، ودعوا التقنية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، تسير وفق هواها لتنتج ما تراه بحرية تامة، مطلقة، وبدون تحيز أو تفرقة أو تدخل من أحد. وقال إن ما يسعى له هذا المؤتمر والعديد من الدول، خاصة الصين، يشكل ضربة وعقبة للشركات الأمريكية التي تتقدم في هذا المجال، ويجب عدم الوقوف في وجهها وفي تطورها. وبالطبع، هذه نظرة ذاتية لا تخلو من الانتهازية، حيث تؤثر مصلحة أمريكا وشركاتها على مصلحة باقي العالم.

لقد أيدت الحكومة البريطانية الموقف الأميركي، وقالت بعدم وضع الضوابط أو الأنظمة لتكبيل الذكاء الاصطناعي وتركه يسير على هداه حتى تتطور التقنية. وفي نظرنا، هذا كلام حق يراد به باطل. ونقول إنه لولا لجنة “يونسيترال” التي كونتها الأمم المتحدة لوضع الأطر القانونية للاستفادة من التقنية، لما استفاد منها العالم ولظلت عملاً تقنياً محضاً داخل الأجهزة “الهاردوير”، وهذا يشبه أدوات الجراحة في الرف دون يد الجراح الماهر، أو الطائرة رابضة على الأرض دون كابتن ماهر. نقول هذا، لأنه وبموجب قانون “يونسيترال” النموذجي، تم تقنين المعاملات الإلكترونية، ومن هنا انطلق العالم في الاستفادة من برامج التقنية “السوفتوير” وفق التشريع الحديث الذي منح التقنية القابلية القانونية في التعاملات.  

والأمثلة كثيرة ونجدها في تطبيقات التجارة الإلكترونية، والخدمات الحكومية الإلكترونية، والدفع الإلكتروني، والمعاملات المصرفية الإلكترونية، والفنتك.. وغيرها، وكل هذا ما كان سيتم لولا القانون الذي شرعن وقنن هذه المعاملات التي غيرت وجه العالم بين ليلة وضحاها.

ومنذ بداية حياته ومع تطورها، صنع الإنسان الآلة لتخدمه حسب حاجته وتحت سيطرته التامة، فلماذا نترك الآلة الآن تعمل وفق إرادتها هي وبدون سيطرة الإنسان، وهي بلا فهم أو حواس؟ قد تضر الإنسان دون أن تعلم، ودون أن تشعر بالندم، لأنها عديمة المشاعر وجامدة الإحساس. ومن دون شك، نحتاج إلى الآلة لتساعدنا في الحياة، ولكن تحت سيطرتنا وبارادتنا التامة لتحقيق ما يفيد البشر. وهذا هو الذي ستكفله القوانين والضوابط الأخلاقية. وبدون القانون، سنعود إلى شريعة الغاب، حيث القوي يدوس الضعيف، والآلة الجامدة أقوى من الإنسان بدمه وعظامه الرهيفة، وحدث ولا حرج.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية