العدد 5962
الأحد 09 فبراير 2025
أرواح مثقلة في الحياة
الأحد 09 فبراير 2025

* كان يود أن يسمعه أحدهم، كان يستغيث ويصرخ ويتردد صدى صوت صراخه في أعماقه فقط بلا صوت، في أحد الأيام اقترح أحدهم عليه أن يجرب سيجارة لينسى همومه، تلقفها بين يديه ولم يعلم أنها بداية النهاية، كان كلما ضاقت به الدنيا التقف تلك السيجارة الملفوفة بشكل غريب ودخنها حتى ينسى، كان يحرقها ويحرق معها أيام عمره، إلى أن غاب يوما عن الوعي ولم يعد، وبات سجين صرخاته إلى الأبد!
* الخوف وحده كان كفيلا بأن يجعلها وحيدة دون رفيقة! حتى أخواتها كُنّ يشعرن أنها غريبة عنهن، كانت تشك في ردود فعلهن تجاه ما تقوم به، باتت تبحث عن الكمال في شؤونها الخاصة، تسبح مرات عديدة حتى تشعر بالنظافة، تتأخر في تقديم واجباتها الدراسية، فهي تعيد الواجب أكثر من مرة للتأكد بأنه صحيح، كما أنها تنظر تحت سريرها عشرات المرات قبل الخلود إلى النوم، لم تعرف للراحة عنوانا ومضى بها قطار العمر وحيدة، فهي لا تقبل بحياة الآخرين ولا أن يقاسم أحدهم حياتها!
* كان مثقلا بمشاعر الفشل، الفشل في إيجاد فرصة عمل مناسبة، الفشل في الزواج وتكوين أسرة، الفشل في الراحة، فهو يسمع يوميا مقارنات لا داعي لها بينه وبين بقية أقرانه، لم تكن أسرته لتغفر له أنه لم يستطع أن يحقق أحلامهم ويصبح كما يحلو لهم، كان يحاول قدر المستطاع حتى يرضيهم، حتى يشعر بأنهم فخورون به، حتى لا يسمع المقارنات اليومية بينه وبين الآخرين، كان يأمل أن يكون غده أفضل، لكنه خلد للنوم ولم يستيقظ! 
* وحده القدر الذي يفصل لنا أثواب الحياة، وكان قدرها أن تكون يتيمة الأبوين منذ وقت مبكر، انتقلت للعيش في بيت أخيها لكنها عاشت حياة صعبة غير مكرمة، فقد استعبدتها زوجته، وبات وجودها فقط لتنظيف المنزل والاهتمام بالفعل بأخيها، تقدم لها أحدهم لكن الأخ رفض بحجج واهية أو بالأحرى لأن وجودها يوفر له ثمن مساعدة منزلية، قررت أن تشتكي وأن تتمرد على واقعها، لكن زوجة أخيها اتهمتها بأعز ما تملك، فبعد عنها الجميع حتى ذاك الذي كان يود أن يكمل مشوار حياته معها.
إنها أرواح مثقلة في حياة غير عادلة، فإذا ما قابلت أحدهم تلطف فلا تعلم كم خيبات الأمل التي يعيشونها، ولا كم المعارك التي انجروا لها دون رغبة منهم في ذلك، كن بسيطا لطيفا ولا تزد قسوة حياتهم بقسوة لقائك!

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية