العدد 5948
الأحد 26 يناير 2025
ما هو الإنجاز؟
الأحد 26 يناير 2025

قرأتُ مرة أن الفنانة كيت وينسلت بطلة فيلم “تايتانك” الشهير، تحتفظ بجائزة الأوسكار الخاصة بها في حمام الضيوف، لتُتيح لضيوفها لمس الجائزة وحملها والتظاهر بأنهم يُلقون خطابات وهم يفوزون بها دون أن يشعروا بالإحراج إذا ما رآهم أحد، والحقيقة أنني لا أعلم صحة هذا الخبر من عدمه، إلا أن فكرة الاحتفاظ بأهم ما نملك في الحمام مثار تحفظ وتفكير عميق يُلقي الكثير من الأسئلة، منها: هل الفنانة كيت وينسلت متصالحة للغاية مع ذاتها وإنجازاتها بقدر يجعلها لا تُبالي كثيرًا بمكان الجائزة؟ أو أنها تمتلك قلبًا كبيرًا للغاية يجعلها تُفكر في مشاركة أحلى لحظات حياتها مع الآخرين وبشكل إنساني سري بعيد عن الأضواء وفي بيت الراحة “لا من شاف ولا من درى”؟ والأصعب من ذلك كله أن نتخيل معًا أن نقوم بالفعل نفسه ونضع شهاداتنا وكؤوسنا وجوائزنا في الحمامات - أعزكم الله - حتى نكون أكثر إنسانية ونصل لهذا التصالح - غير المبرر كما يراه البعض - مع الذات ومع الآخرين، كون الإنجاز صناعة الفرد وحده وهو قادر على أن يُنجز ما يتمنى ويفعل ما يحلو له بهذا الإنجاز.
الخبر في حد ذاته أشبه بذلك الخبر الذي طالعنا فيه اللاعب الكبير حمود سلطان عندما أكد وجود كأس أحد الأندية في سوق الحراج يُباع بمبلغ زهيد، ونرجع لنقطة الصفر تجاه ما يشعر به الأفراد أو المؤسسات تجاه إنجازاتهم: هل هي فعلًا مُقدَّرة وذات نفع كبير أم أنها إنجاز ضمن إنجازات كبيرة لا داعي لأن نلتفت لها كثيرًا؟ أم أن تقديرنا لذواتنا يجب ألا يرتبط أبدًا بأي إنجاز، وهو أمر يُخالف نظرية ماسلو التي تُؤكد أن الإنجاز هو جزء لا يتجزأ من تحقيق الذات، وأنه يأتي بعد عدد من المراحل التي تتلخص في الحصول على الحاجات الأساسية ثم الأمن والأمان ثم العلاقات مع الآخرين، فنحصل على الاحترام من قبل الآخرين قبل الوصول لقمة الهرم وهو تقدير الذات المرتبط ارتباطًا وثيقًا بإنجازاتنا.
وحتى لا أُطيل السرد، أود أن أُلمح إلى أن الإنجاز لا يجب أن يكون أوسكارًا موضوعًا بحمام الضيوف! لكنه قد يكون لأم استطاعت أن تُزوِّج أبناءها، أو أب أشرف على التقاعد وسدَّ كل ديونه، أو حتى شاب استطاع أن يحفظ سورًا من القرآن، أو فتاة استطاعت أن تنجح في دورة مكياج. كلٌّ كما يُحب وكلٌّ كما يرى ما هو إنجازه في حياته وما يود أن يفعل أو أن يُقدِّم لأهله وناسه ولنفسه قبل الجميع. 
لذا وجب علينا أن نلتفت لكل إنجازاتنا، كبيرة كانت أو صغيرة، ونبتسم لما قدمنا من جهد حقيقي للوصول لما نحلم. وبعد تحقيقنا كل طموح يجب أن نتجاوز الوقوف عنده، فكل إنجاز محطة لإنجاز قادم أكبر.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية