انتهت “جمهورية الكابتاغون” في سوريا وأصبحت في مرحلة تحول تاريخية من الثورة إلى الدولة بعد سقوط حكم عائلة الأسد التي جثمت على شعب سوريا لأكثر من خمسين عامًا، وأصبح بإمكان السوريين الآن التفرغ إلى طرح الأسئلة الكبرى ومعالجة التحديات الكبيرة وما أكثرها، خصوصًا تلك التي تركتها المنظومة التي تحكمت في مصير سوريا من النفوذ الروسي والنفوذ الإيراني.
عندما واصل قادة طهران قيادة البلاد بـ “عقلية الثورة”، باتت إيران عبئًا على شعبها وجيرانها لعقود كثيرة، ولم يفهم قادة إيران شيئًا اسمه اختلاف الثقافات وأن سوريا ليست إيران، وأن شعب سوريا لا يتقبل الثقافة التي جاء بها النظام الإيراني، لذا فالنفوذ الإيراني بدأ في الأفول سواء في لبنان أو سوريا وغيرها من الدول العربية التي أوجدت إيران نفوذًا لها فيها والبقية منها على الدرب تأتي. الأمر المبشر أن قادة دمشق الجدد بادروا مبكرًا لاستعجال الانتقال من “الثورة” إلى “الدولة”، بل إن واقع الحال أنه منذ بدء معركة “ردع العدوان”، حرص قادة العمليات العسكرية على إرسال رسائل مطمئنة: التمسك بمؤسسات الدولة، المحاسبة وعدم الانتقام، وحماية حقوق وطقوس الأقليات، حماية الملكيات الخاصة والعامة، الإبقاء على آلة الحكومة. ولا خلاف في أن تمسك المقاتلين بهذه المبادئ، قولًا وفعلًا، سهل عليهم السيطرة على حلب ثم حماة ثم حمص وصولا إلى دمشق وهروب الأسد.
وفي تصريح يعكس رؤيته السياسية، أكد أحمد الشرع، الرئيس السوري، أن “عقلية الثورة لا تبني دولة”، ما يعكس إدراكًا بأن مرحلة ما بعد الثورة تحتاج إلى عقلية بنائية تتجاوز أفكار الانتفاضة إلى تأسيس نظام حكم مستدام.
الشرع حدّد أولويات إدارته في بناء دستور جديد وعقد انتخابات ضمن عملية سياسية قد تستغرق ما يصل إلى 4 سنوات، مشددًا على أهمية تمثيل جميع الأطياف في النظام السياسي المقبل.
الإدارة الجديدة تسعى لتأسيس دولة مدنية قائمة على العدالة الانتقالية والمواطنة، وهو ما يتطلب وضع القوانين والتشريعات اللازمة، ووصف الكاتب الصحافي عبدالكريم العمر هذه المرحلة خلال حديثه لسكاي نيوز عربية بأنها بداية لعهد جديد يهدف إلى إنشاء مؤسسات فعالة تلبي تطلعات السوريين، مشيرًا إلى أن الثورة وضعت الأسس لتلك المطالب. وأكد الشرع أن دمشق عانت ظروفًا مأساوية عند تحريرها، حيث امتد الدمار ليشمل جميع النواحي، ما يعكس حجم المعاناة التي عاشها السوريون خلال سنوات النزاع.
وفي مشهد سياسي رهيب، جاء إعلان تنصيب أحمد الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية في سوريا خلال المؤتمر الوطني ليضع البلاد أمام منعطف تاريخي جديد، تتداخل فيه التوافقات الداخلية بالحسابات الإقليمية والتحديات الهيكلية، بعد أن حلت الفصائل نفسها واتحدت لتكوين دولة المؤسسات ليتم وضع سوريا على مسار حضاري جديد تتجاوز فيه مرحلة الأحزاب والطوائف وتساير ركب الأمم الأخرى.
كاتب وأكاديمي بحريني