تكملة لمقالي السابق حول تصدر الدول الخمس التعليم في العالم، وهي فنلندا والدنمارك وكوريا الجنوبية وسنغافورة وكندا في العام السابق 2024، نجد مبدأ آخر لتميز هذه الدول الخمس، وهو أن القاسم المشترك بينها أن فلسفتها في التعليم تقوم على مبدأ أن المتعلم محور العملية التعليمية قولًا وفعلًا، ما يجعل مهمة المدرسة ليست إعداد الطالب لأداء الامتحانات، ذلك أن الامتحانات وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، إنما تركز المدرسة على كيفية إعداد الطالب للحياة وكيف يتعلم، وبالفعل هذه فلسفة تربوية متميزة، خصوصًا إذا ما علمنا أن الامتحانات تثير الخوف والتوتر عند معظم الطلبة، خصوصا الأطفال، لذا أصبح الطلبة في هذه الدول الخمس يشعرون بمناخ من الأمن النفسي يشجعهم على الدراسة، في الوقت الذي نجد في بقية الدول عندما تقترب الامتحانات تصبح داخل كل بيت حالة من الطوارئ، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الأبناء.
ومما يؤكد صحة فلسفة التعليم في هذه الدول، أنه في فنلندا، وهي الدولة الأولى على مستوى التعليم في العالم، أظهرت نتائج البرنامج الدولي PISA لتقييم الطلبة في مسألتي إتقان الطلبة القراءة ومهارات الرياضيات والعلوم، أن الطلبة في هذه الدولة يأتون دومًا ضمن أفضل عشرة قراء كتب في العالم، بالإضافة إلى تحقيق نتائج بارزة في العلوم والرياضيات، والمراكز العشرة الأولى ضمن 57 دولة تشارك في تلك التقييمات الدورية، وهذا أمر يدعونا للرغبة في التعرف على الخلطة السرية لتجربة التعليم في هذه الدولة وسر نجاحها في التعليم.
ويتحقق من فلسفة التعليم هذه أن جهود المدرسة تكون مركزة على الارتقاء بقدرات الطالب وإشباع حاجاته المختلفة وبناء شخصية مستقلة عنده تساعده على التعلم الذاتي بدلًا من الاعتماد على المدرسة، ما جعل المناهج التعليمية خالية من الحشو وكثافة المحتوى، ومما ساعد على ذلك قلة الامتحانات.
المنهج الدراسي للتعليم في هذه الدول الخمس الذي يحقق لهم كل ذلك هو المنهج التكاملي الذي يقوم على دمج المواد الدراسية الرئيسة في منهج واحد، مثل دمج الجغرافيا والتاريخ والفيزياء، وهو منهج متفرد حيث يراعي الفروق الفردية بين الطلبة، لذا يصلح لجميع الطلاب العاديين والمتميزين وما دون ذلك من مستويات، ولا يتم في المناهج التركيز على الجانب النظري الذي يقوم على الحفظ والاستذكار، إنما يتم وضع الطالب أمام مواقف أو تجارب عملية ويستخلص منها الطالب الحقائق النظرية والقوانين، أي بمعنى آخر المنهج الدراسي يسير في اتجاه معاكس لما هو موجود في المناهج التقليدية التي تركز على الجانب النظري في المواد وإهمال الجانب العملي. وللمقال تكملة.
كاتب وأكاديمي بحريني