وتستمر عملية إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية الجديدة للمنطقة، وكان آخرها فوز قائد الجيش اللبناني جوزيف عون برئاسة الجمهورية اللبنانية بتأييد 99 نائبًا من إجمالي عدد النواب البالغ عددهم 128 الذين شاركوا في عملية الانتخاب من مختلف الطوائف والأحزاب اللبنانية، وبذلك دخل لبنان مرحلة تاريخية جديدة بدعم دولي قوي، خصوصًا من أميركا ودول أوروبية ودول عربية مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج والأردن، ولهذا الفوز دلالاته العميقة، أهمها تخلص لبنان من النفوذ الإيراني المتحالف مع نظام الأسد المنهار في سوريا، واللذين ظلا يدعمان حزب الله صاحب النفوذ والسيطرة على سلطة القرار السياسي في لبنان، وما إن انهار حزب الله في جنوب لبنان بعد الضربات القاسية التي تلقاها من إسرائيل والتي أدّت إلى تحطيم البنية العسكرية للحزب ومقرات السيطرة والقيادة واغتيال العديد من قياداته وأهمهم قائده السيد حسن نصر الله الذي يُعتبر الزعيم الروحي للحزب، حتى أصبح هذا الحزب في وضع لا يُحسد عليه، وذلك جعله يقبل بالقوانين الدولية الخاصة بلبنان وأهمها القرار 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن وما تضمنه من قرارات أهمها ما يتعلق بسحب سلاح حزب الله وانسحاب الميليشيات المسلحة المتحالفة معه من شمال نهر الليطاني وحلول الجيش اللبناني محله وخضوع جميع مؤسسات الدولة تحت سيطرة الدولة اللبنانية.
وفي أول خطاب له أمام مجلس النواب اللبناني أكد الرئيس اللبناني المنتخب، جوزيف عون، حق الدولة اللبنانية في “احتكار السلاح” وشدد على ضرورة منع تهريب المخدرات، واستعرض رؤيته الداخلية والخارجية للعهد الجديد الذي بدأ بتاريخ انتخابه لهذا المنصب.
وقال عون في كلمته الأولى بعد انتخابه، أمام مجلس النواب اللبناني: “عهدي التأكيد على حق الدولة باحتكار حمل السلاح”، وشدّد الرئيس الرابع عشر للبنان على ضرورة منع “تهريب أو تجارة المخدرات” ومنع انتشار ما وصفها بـ “البؤر الأمنية” و”التدخل في القضاء”، وأوضح ضرورة “عدم التدخل في القضاء” مؤكدًا ألا “محسوبيات ولا حصانات لمجرم أو فاسد”.
كما أكد عون أنه يتعهّد بعدم توطين الفلسطينيين الموجودين في لبنان “حفاظًا على حق العودة” و”تثبيتًا لحل الدولتين”، حسب قوله، مشددًا على ضرورة أن تبسط الدولة اللبنانية سلطتها على كافة الأراضي اللبنانية بما فيها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. خارجيًّا تعهد الرئيس اللبناني المنتخب بإقامة “أفضل العلاقات مع الدول العربية انطلاقًا من أن لبنان عربي الانتماء والهوية”، وتعهد بإقامة “شراكات استراتيجية مع دول المشرق والخليج العربي وشمال إفريقيا” و”منع أي تآمر على أنظمتها وسيادتها”.
يستحق شعب لبنان هذا العهد الجديد حتى يسود الاستقرار والأمن في دولته التي ظلت تعاني من ويلات الحروب والدمار الذي شمل كل جوانب الحياة وتدني مستوى المعيشة. هذا الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تسبّب في هجرة اللبنانيين إلى الخارج حيث تتواجد جاليات كثيرة من اللبنانيين في أوروبا وأميركا والدول العربية بحثًا عن مستوى حياة كريمة. آن الأوان أن يتحد اللبنانيون بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم ليحققوا الدولة المدنية الرائدة.
كاتب وأكاديمي بحريني