العدد 5945
الخميس 23 يناير 2025
استعادة النهضة
الخميس 23 يناير 2025

 غالبًا ما يجري الحديث عن ضرورة مراجعة تجاربنا السياسية العربية، لكننا غالبًا ما نتوقف عند ذلك، مع أن ذات المراجعة مطلوبة أيضًا في الحقل الثقافي العربي، من خلال تطوير النقد الذاتي الموضوعي لتجربتنا الثقافية بالقدر الذي نقدم عليه في المجال السياسي، وهذا يحتاج إلى تربة صحية لشحذ آلة الفكر النقدي، وتطوير منهج أكثر صرامة وعقلانية لمواجهة الوضع الثقافي العربي المتسم بالركود والتخلف، واستنفار همة أقوى تصميمًا وأعظم جرأة على وضع العديد من المسلمات والصيغ المبتذلة موضع الشك والسؤال.
 لقد عشنا سنوات طويلة ونحن نلوك أفكارًا قديمة مهلهلة تبين أنها منتهية الصلاحية، وأن علينا – إذا أردنا تجاوز ذلك - امتلاك فكر خلاق جديد بعيدًا عن النمطية والتكرارية والتقليد ونظرية الوقوف عند الماضي كأفق، أو طرح حاضر الآخرين كبديل وحيد للانطلاق نحو هذا المستقبل. إن المراجعة المستهدفة، لا تعني النظرة العدمية التي تقوم على اعتبار تاريخنا الحديث كسلسلة من الهزائم مصدرها انحطاط الذات وانعدام القدرة ونقص الكفاءة، والاعتقاد بأن الإخفاق تجسيد لعاهة فطرية أو لنقيصة ذاتية أو لخطيئة أصلية، إنما هو نتيجة عوامل موضوعية اقتصادية وسياسية ومجتمعية وثقافية، ولذلك فإن المراجعة المنشودة تختلف عن موقف الندب والنواح الذي يقود إلى تكريس العدمية وتعذيب النفس وتأنيب الضمير، والمشاعر التي تقضي على إمكانية استعادة الروح للخروج من حالة حصار الذات لنفسها، وإنما المقصود هو وعي أسباب الإخفاق الموضوعية، كنتيجة لعدم فعالية الاستراتيجيات والوسائل المتبعة، وتهافت الأهداف التي قامت عليها.

 فلا الهروب إلى الأمام والشطب على كامل التجربة والخبرة التاريخية، والبدء من نقطة الصفر، والتمرد السلبي على كل شيء، يمكن أن يفيدنا، ولا التراجع والانكفاء نحو مواقع صرف المجتمع قرونًا طويلة لتجاوزها يمكن أن يسهم في استعادة النهضة المأمولة.. إنما نحن بأمسّ الحاجة إلى تعبئة الطاقات الثقافية والفكرية والروحية الجماعية، وهذا يحتاج إلى رؤية ومشروع وتطوير إدارة الدولة الديمقراطية ومؤسساتها، وتعبئة النخبة المثقفة الواعية في الأجهزة الثقافية الرسمية والأهلية للنهوض بالوضع الثقافي العام الذي بإمكانه إعادة تشغيل المولد الحضاري للنهوض مجددًا.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .