قال الصديق: لقد أدهشني العنوان الذي يتحدث عن (اتفاق تاريخي بين حماس وإسرائيل)، لأنه لم تبق من غزة حياة ولا ما يشبه الحياة، فما تسميه إسرائيل انتصارًا، هو في الحقيقة منتهى الهزيمة أمام مدارك التاريخ والإنسانية، فهو سلسلة من الجرائم ضد الإنسانية التي لن تنسى أبدًا، وما تسميه حماس انتصارًا هو مجرد اتفاق على أنقاض غزة المدمرة، فأي انتصار أمام هذا الشعب الأعزل الذي سلب منه كل شيء، بما في ذلك حياته!
لقد تشبعنا من مشاهد الإبادة والتدمير. كفرنا بما يسمونه ديمقراطية وحقوق إنسان وأممًا متحدة وقانونًا دوليًّا.. فالكل متواطئ متخاذل منحاز ضد الحق.. تلك هي النتيجة الأهم التي خرجنا بها من هذه المحنة. لقد اتضح أن الشعوب في أوروبا الغربية وفي الولايات المتحدة لا تحكم بالفعل، وأنها ليست ممثلة حقيقة في حكوماتها، وإلا كيف نفسر وقوف شعوب هذه البلدان في أغلبها مع الحق الفلسطيني وضد جرائم الإبادة، وفي المقابل شهدنا انحياز حكوماتها ضد هذا الحق ووقوفها مع الإبادة والقتل والتهجير وانتهاك جميع حقوق الإنسان قولًا وفعلًا، ودونك المظاهرات التي اجتاحت دول أوروبا وأميركا الشمالية، نصرة للحق الفلسطيني، وقارنها بمواقف أغلب الحكومات الغربية المخزية.
قلت للصديق: لقد اتضح – وليس هذا بجديد تمامًا - أن جميع القيم الإنسانية التي قاتلت البشرية من أجلها، تتعطل بمجرد تجاوزها حدود تلك الدول، وقد بدا وكأن هذه القيم معمولة لهم فقط، ونحن خارج المنظومة. نحن – يا صديقي - الغابة (Jungle).
على حد وصف السيد جوزيب بوريل، ملخصًا لنظرية المركزية الأوروبية الاستعمارية الاستعلائية. فالمطلوب من “حراس الحديقة” - ومن الواضح أن إسرائيل جزء من هذه الحديقة التي تلامس “الأدغال” - أن يذهبوا لمحاربة سكان الغابة.. إنها نظرية متجذرة في الوعي الغربي. فبالرغم من التطور المذهل الذي شهدته الدول الأوروبية على صعيد الفكر السياسي وقيم الحرية وحقوق الإنسان، فإن المركزية الاستعلائية لا تزال حية، ضمن منظور يستند إلى أن “الغرب” المحرك الأساس للعالم ومركز القيم والحق والقانون، وبالتالي فهو الأفضل والأرقى وواجب عليه أن يقود العالم، حتى إن تطلب ذلك غزو الأدغال (الغابة).
كاتب وإعلامي بحريني