إن المفهوم التقليدي للتاريخ - والمنهجية المتبعة في تصنيفه ومقاربته والعوامل المؤثرة فيه - يبدو اليوم غير مناسب تماما، ليس فقط من زاوية السلبيات المترتبة عليه في التطبيق بالنسبة لتاريخنا العربي، لكن لسبب أعم، وهو أن هذا التصور يقصر موضوع التاريخ على ما فعله الفرد (قائدا كان أم سياسيا أم عسكريا أم رجل دين)، وبداهة فإن مثل هذا المنهج يؤدي إلى ضياع ملامح المجتمع ككيان حضاري – إنساني تاريخي متصل. ولا يساعد على التعرف على الشخصية العربية بكل تنويعاتها الإقليمية وخصوصياتها المحلية كحقيقة اجتماعية - ثقافية ديناميكية متطورة، بل يؤدي في الغالب إلى طمس ملامح هذه الشخصية، وإلى إخفاء أهم سماتها المحركة (وهي الاستمرارية والتواصل الحضاري).
إن مثل هذا المنهج يعجز عن اكتشاف القوانين الناظمة التي حكمت التطور التاريخي للمجتمعات العربية في أقاليمها المتعددة من المغرب إلى المشرق، ولا يقدر على تحديد ما هو ثابت وما هو متحول في العملية التطورية التاريخية، ومهما اشتمل (هذا التاريخ) الذي ينتجه مثل هذا التصور على تفاصيل ومعلومات اجتماعية متناثرة ومتفرقة، عن حياة الأفراد والمجتمع، فإن أقصى ما يمكن أن تقدمه هو مجرد (حكايات وسير وحتى خرافات ولقطات تكميلية عرضية)، فتبدو لنا الأحداث فيها وكأنها تقع بفعل الصدفة، وقد تبدو التطورات وكأنها أحداث خارقة تتأثر بقوة أو دهاء القائد العسكري أو السياسي أو طموحهما.
إن هذا التصور التبسيطي لم يعد من الممكن الاعتماد عليه في كتابة التاريخ أو مقاربته، في ظل الثورة الهائلة في ميادين العلوم وتقنيات البحث والتقصي والمنهجيات الجديدة في كتابة التاريخ. لذلك نرى أننا بحاجة إلى تصويب نظرتنا إلى منهجية موضوع التاريخ، بحيث يكون محوره الأساسي هو الإنسان ككائن حي يتطور ويرتقي ويمرض، ليس بالمعنى البيولوجي، لكن بالمعنى الاجتماعي – الاقتصادي - الثقافي، أي من زاوية الكيفية التي ينتج بها الإنسان احتياجات حياته المادية والروحية، والعلاقات الاجتماعية التي تنشأ من خلالها، والتعبير الثقافي عن هذا الكائن الحي المتطور متمثلا فيما يتوصل إليه من معرفة وأدوات وإنتاج، وما يصوغه من نظرة إلى العالم والحياة على الصعيدين الروحي والثقافي. وللحديث صلة.
كاتب وإعلامي بحريني