إن دراسة التاريخ بمنهجية علمية تعد من أصعب الأمور، لا لقلة المادة العلمية التي تعتمد على مادة أصلية فحسب، بل بسبب ما ساد من منهجيات كتابة التاريخ أيضا، إذ تحولت العديد من المقولات غير الدقيقة إلى مسلمات لا يمكن مناقشتها، فما بالك بتجاوزها. من ذلك تقسيم التاريخ العربي - الإسلامي إلى مراحل زمنية منقطع بعضها عن بعض، ومنه أيضا القول إن انهيار الدور العربي في التاريخ بدأ عندما انهارت دولة الإسلام المركزية وما أعقبها من تطورات، فترسخ لدى العديد من الباحثين والمشتغلين في المجال التاريخي أن العرب كانوا يسيطرون على الدولة الإسلامية الموحدة في القرون الثلاث الأولى للهجرة، ولما انهارت الدولة المركزية وتفككت إلى دول، وصارت السلطة الفعلية بأيدي السلاطين انتهت مرحلة الخلافة، فانتهى المجد العربي وعم التراجع والانحطاط، وبذلك تم الشطب على المراحل التاريخية اللاحقة من التاريخ العربي بكل بساطة.
إن قضية استمرارية تاريخنا أو انقطاعه تعود إلى أن العديد ممن يكتبون تاريخنا يبحثون عن استمراريته أو انقطاعه في عوامل سياسية فردية في الغالب، ولا يبحثون في العوامل الاجتماعية الأساسية في سياق التطور والديناميكية الاجتماعية والتحولات الاقتصادية وغيرها، بما يساعد على تحديد هذه العوامل وتأثيرها وبالتالي اكتشاف محركات التاريخ الأكثر أهمية. إن مفهوم التاريخ الذي تبناه عدد غير قليل من مؤرخينا، لم يوفر لنا سوى “سيرة” القادة والحكام والفاتحين، ونادرا ما نجد في هذه السير ما يساعد على التعرف على المجتمع كظاهرة حية متطورة.
وحتى حينما يستخدم البعض منهم أدوات التحليل الاجتماعي، فإنهم غالبا ما يتوجهون إلى البحث عن عناصر الصراع الطبقي، فيلزمون أنفسهم بنفس الإطار الذي وضعه المؤرخون التقليديون خلال سعيهم إلى اكتشاف المجتمع العربي في عصور مختلفة. وفي أحسن الأحوال فإن مثل هذه المحاولات “تنتج” لنا تاريخ أكثر من “عصر عربي”، وكل “عصر” لا علاقة له بالعصر الذي سبقه أو الذي يليه. وكل عصر له لون وطابع وشخصية من كانوا يحكمونه في تلك الحقبة الزمنية. وللحديث صلة.
كاتب وإعلامي بحريني