يبدو العرب، من بين شعوب قليلة، لا تزال تتحدث عن الهوية، ليس كموضوع إشكالي يتعلق بالتجاذبات القائمة بين منظور محافظ للحياة وتحديات الانتماء إلى الحداثة والاستجابة إليها، بما تحمله من الحرية والعقلانية والفصل بين الدين والسياسة، إنما يجري الحديث في الغالب عن الهوية كمنظور عاطفي وفلكلوري مشوب بالخوف من القادم والآخر على حد سواء، وينحو نحو التعلق بالعادات والتقاليد بما في ذلك العادات التي لم يعد لها محل من الإعراب. لذلك، فإن الحديث المكرر عن الهوية عندنا يبقى في أحسن الأحوال سطحيا غير ذي تأثير، خصوصا في الأجيال الجديدة التي نشأت في ظل عالم معولم مرقمن وبسماوات مفتوحة.
وفي الجزء الأول من هذه المقالة يمكن مناقشة إشكالية الطرح والسؤال: غالبا ما يرتبط طرح موضوع الهوية بسؤال وجودي دراماتيكي من نوع: من نحن؟ وكأننا ريشة في مهبّ الريح، وكأننا شعوب ضائعة تائهة في الصحراء، لا تدري من أين جاءت ولا إلى أين تتجه. وإذا كان مثل هذا السؤال يمكن تفهم طرحه في بداية النهضة العربية، تحت تأثير صدمة الحداثة والتدخل الاستعماري، فإن الإصرار على إعادة طرحه اليوم يبدو مفارقا للتاريخ والعقل معا. في خلاصات الإجابة عن هذا السؤال تبرز ثنائية الأصالة والمعاصرة، ضمن طرح تلفيقي للتركيب نظريا بين الحاضر الماضي كمنظور للحياة والقيم ونمط العيش. لكن المجتمعات لا تحيا وفقا لهذه المعادلة المنمقة المريحة نظريا. فلا تستطيع أن تعيش ماضيها وحاضرها في ذات الوقت، لاستحالة جعل الماضي حاضرا.
ولا يمكن لمجتمع اليوم أن يعيش خارجه. لذلك فإن صيغة الأصالة والمعاصرة تعبر عن خلل في علاقتنا بالتاريخ. ولا شك أن ما يستحق أن يبقى من ماضينا (أصالتنا) في حاضرنا هو بالفعل موجود في ثقافتنا وفي لغتنا وفي عاداتنا وتقاليدنا، بالدرجة التي تتوافق فيها أفعالنا اليومية مع معتقداتنا ونظرتنا إلى الحياة، ولكن مع الوعي بأننا نحيا في الحاضر ونخضع لمتطلباته ونواجه إكراهاته نعمل على التأثير فيه وترك بصمتنا الحضارية مثلما فعل أجدادنا في العصور السابقة بعيدا عن النهج التلفيقي. وللحديث صلة.
كاتب وإعلامي بحريني