العدد 5914
الإثنين 23 ديسمبر 2024
المُخفقون في الأرض!
الإثنين 23 ديسمبر 2024

 قال الصديق: “لقد عشنا سنوات عديدة ونحن نلوك أفكارا قديمة تبين أنها منتهية الصلاحية لما فيها من نمطية وتكرارية وتقديس للماضي كأفق للمستقبل، ولذلك يبدو وضعنا الحالي بائسا ومن دون أي أفق إيجابي”. قلت للصديق: “مثل هذا الشعور الذي تعبر عنه ينطوي على اعتقاد بأن كل ما لدينا سلبي، بما في ذلك المنجزات الفكرية والثقافية والإبداعية العربية. والخوف أن يتحوّل جلد الذات هذا تدريجيًّا إلى إدمان لشعور بالإخفاق المولد للكسل والعجز واللا فعل وإحساس بالدونية، والنظر إلى مجموع تاريخ العرب الوسيط والحديث والمعاصر كسلسلة من المآسي والهزائم مصدرها انحطاط الذات ونقص الكفاءة والعجز، حيث يظهر الإخفاق كما لو كان تجسيدًا لعاهة موروثة، أو ثمرة حتمية لنقيصة ذاتية، ولذلك يغلب جلد الذات على موقف الفهم والمراجعة والإبداع، فتكون النتيجة تكريسا للسلبية والعدمية، بما يقضي على إمكانية استعادة الروح والثقة في النفس والإسهام الإبداعي والتجديد والمبادرة”.
قال الصديق: “منذ عصر ما يسمى بالنهضة لم نشهد سوى الإخفاق الذي لا يعبر فقط عن عدم فعالية الاستراتيجيات والوسائل، لكن يعبر أيضًا عن تهافت الأهداف والمبادئ التي قامت عليها فكرة النهضة العربية من أساسها وفكرة العمل العربي الجماعي المشترك”. قلت للصديق: “إن التشكيك في صلاحية النهضة العربية في أهدافها وآلياتها موقف سلبي وجاحد للجهود التي بذلت على مدى قرن ونصف على الأقل. والأسوأ من ذلك التشكيك في العمل الثقافي العربي ومنجزاته، وفي مصداقية المبادئ التي تحكمه.
فكلامك يعكس دعوة للانكفاء واليأس فيصبح الحديث عن الإخفاق مجرد وسيلة لتدعيم الممارسات السلبية، والاتجاهات التقسيمية التي كانت من أسباب الحالة التي تنتقدها. إن هذا الموقف يؤدي إلى الهروب إلى الأمام، والشطب على مكتسبات قرون كاملة من التجربة التاريخية والثقافية، ودفنها، والبدء من نقطة الصفر. لذلك فإن مواجهة هذه العدمية أمر ضروري يحتاج إلى تعبئة طاقات روحية وثقافية جماعية وتطوير إدارة الدولة الديمقراطية والعقلانية على الصعيد العربي، وتعبئة النخبة المثقفة الواعية في الأجهزة الثقافية الرسمية والأهلية للنهوض بالوضع على جميع المستويات.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية