تحتفل البحرين هذه الأيام بأعيادها الوطنية المجيدة، مستذكرة ما تحقق من إنجازات وما تحقق من مكتسبات وتطلعات نحو حياة أفضل. وفي مقدمة ما تستذكره المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله، والذي جاء اتصالًا بعمليّة الإصلاح التي بدأت طلائعها مع بداية الألفية الثالثة وقامت على أساس بناء التوازنات في مجتمع لا تستقيم فيه الأمور إلا من خلال التوافق الوطني بين الأطراف الاجتماعية - السياسية، ضمن رؤية وطنية جامعة من أجل بناء الديمقراطية والتنمية.
لقد كان الإصلاح السياسي وبناء المجتمع الديمقراطي هدفًا معلنًا للمشروع ومحورًا أساسيًّا فيه، ما يسر استشراف تطوّر المجتمع المتطلع إلى الديمقراطية، والأكثر استعدادًا لتقبّل مقتضيات البناء الديمقراطي. خصوصًا أن هذا التطور لم يكن طفرة خارج السياق في صيرورة تطور المجتمع، بل تضافرت فيه الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فكان تغييرًا هادئًا متبصّرًا، واستجابة لنداء الواجب الوطني واستنهاضًا لطاقة أبناء البحرين في البناء والتجديد. ومن هنا كان المشروع مدركًا لما تحمله التحوّلات الدولية والإقليمية من انعكاسات ومخاطر، بالإضافة إلى استحقاقات الواقع المحلي وتطلعاته المشروعة نحو حياة أفضل، واتساقًا مع سنّة التطوّر والحاجة الدائمة إلى المراجعة والإصلاح. وقد بادر المشروع بإرساء قواعد الممارسة في كافة الميادين التي تناولها بالإصلاح وعيًا منه بما يتيحه تطوّر المجتمعات وتسارع التقدّم العلمي والتكنولوجي من فوائد ومزالق في ذات الوقت.
فكانت التعدّدية السياسية أحد أهم أوجه انطلاقة الإصلاح السياسي، تأكيدًا على جدارة الشعب بحياة سياسية ديمقراطية تعتمد تعدّدية الجمعيات السياسية والتّنظيمات الشّعبية، كما أحاط ممارستها بجملة من الضوابط والقواعد التي من شأنها أن تضمن لها أسباب النّجاح والاستمرار، بحيث تكون التعددية السياسية حصنًا منيعًا يحول دون توظيفها للإساءة للدولة والمنجزات التي تحققت أو للإساءة للوحدة الوطنية وثوابتها، وهذا الأمر اقتضى حماية الديمقراطية والمسار التعدّدي عبر الضوابط التي تكرّس التعدّدية وتوفر شروط تحقيقها وضمان حقوق الجميع بتكريس قيم المواطنة والعمل السياسي المباشر الذي يقوم على برامج سياسية وليس على شعارات دينية من أجل تحصين التكوين المتنوع للمجتمع، والعمل على ترسيخ مفهوم المواطنة بشكل يتلازم مع تعميق مفهوم الحرية. للحديث صلة.
كاتب وإعلامي بحريني