العدد 5900
الإثنين 09 ديسمبر 2024
الوقوف في طابور الكسل!
الإثنين 09 ديسمبر 2024

كم هو أمر متعب متابعة المحتوى البائس اليائس السائل المنتشر بسخفه وغلبة الهراء والادعاء والبلادة والاستعراض الفج الوقح.. صور للأظافر والرموش البلاستيكية.. كسالى غارقون في التثاؤب الوجداني، يجلسون كل صباح على ناصية مقهى التفاهة، ليرووا لنا قصة كوب القهوة الورقي المضرج بالهبل اليومي، ويد ممدودة بأظافر ملونة مزيفة بشعة. العالم في واد وصورهم في واد آخر، لا حس ولا فهم ولا قيمة.. عالم اليوم موحش في الفظاعات ضد إنسانية الإنسان: إبادة وتجريف وتجويع، إلا أن أصحاب الصورة يقفون في طابور الكسل بلا حسٍّ إنساني ليعرضوا علينا قهوتهم البلاستيكية وألوان أظافرهم وبياض أسنانهم وتصفيفات شعورهم وأنواع الأصباغ التي يصبغون بها وجوههم، فيما العالم من حولك يضيق فيه الخناق على “الإنساني” فيك، لتتحول إلى كائن بلاستيكي، كل شيء فيك مبرمج: حركاتك، سكناتك، وخط سيرك، أفعالك، وردود أفعالك، حساباتك، كلماتك، قراءاتك وقهوتك البلاستيكية.. تسير في شارع بلا طيور تطير.. الكل ينظر ولا ينظر، يسمع ولا يسمع، يتكلم ولا يتكلم، يرى ولا يرى، لا شيء غير الصفيح ونوافذ البلاستك السريع تجردك من بقية باقية من البارحة، تلك البناية الزجاجية الشاهقة الواقفة بلا معنى، تسقط على الشارع، وتذهب بما بقي من روحك، تلملم ما بقي من بقاياك، والخيبة طفل ينتظر الحلوى فيغلبه النعاس في طابور بلا روح، تقرأ في كفه: “ممنوع الوقوف.. ممنوع الخروج والجلوس والطعام، ممنوع أن تطير العصافير بعيدًا عن طابور الرماد المعفر بالشظايا العابرة بخيلاء”. 

أخيرًا، يجلس ما بقي منك مرهقًا يطالع الساعة المندفعة إلى ما بقي من سماء، وضجيج المعدن المنساب في الطريق، وما بقي من روح الليل واليوم الذي قبله. تسمع المنادي يعلن: “ادخل كهفك واصرخ كما شئت.. يا إلهي كم هو موحش هذا العالم: لا شعر.. لا شجر.. لا ورد، ولا ضحكات تعطر المكان، كم هو موحش دخان الشوارع عندما تكون بوابات النهر مسدودة. تشتهي أن تطير.. فلا تطير”.

• على الرصيف المقابل لا تزال صاحبةُ الأظافر الملونة تصور فنجان قهوتها المتثائب، قبل أن تموت يوم إجازتها الأسبوعية.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية