تلقيت أكثر من تعقيب من عدد من الأصدقاء الكتاب، حول مقالة (الخلل في منهجية كتابة التاريخ العربي)، أستعرض هنا ملخّصًا لتعقيبين بعد تلخيصهما، مع الشكر للأصدقاء على تفاعلهم:
التعقيب الأول: الخلل في تقديري يتجاوز المنهجية إلى المضمون والمقاصد. إذ إن المشكلة تكمن في غلبة الأهواء؛ وللأسف لا نزال إلى اليوم نمارس هذه اللعبة اللعينة، فلا نكتب إلا ما يتناسب مع ميولنا وأهوائنا وما نحب حتى لو كان مجافيًا للحقيقة. فنحن كأمة لا نمتلك الشجاعة اللازمة لتحليل تاريخنا بإنصاف، لقد قدّسنا جزءًا كبيرًا من هذا التاريخ وأصبحت مسلماته وكأنها حقائق، مع أن كثيرًا منها خرافات وتلفيقات مهلهلة. إن الدراسات التحليلية للأحداث بشكل موضوعي تقتضي رفع الهالة عن صورة تاريخنا العربي الإسلامي الذي يعج بالأخطاء والتلفيق، ورفع القداسة عن بعض الشخصيات والأحداث حتى نتمكن من فهم ما حدث. وهذا يقتضي اعتماد كل السبل والوسائل الحديثة في التنقيب والاستقصاء والتحليل.. ومن الواضح أن عدم امتلاكنا الشجاعة لمراجعة تاريخنا أحد أسباب ما نعيشه اليوم من صراعات مبنية على الخرافات والتلفيقات التاريخية التي أصبحنا ضحاياها.
التعقيب الثاني: إن العجز عن مقاربة تاريخنا بشكل موضوعي، يجعلنا أسرى الخرافات، عاجزين عن فهم ما يحدث حولنا. خذ على سبيل المثال: ما حدث في العراق من قبل وما يحدث في سوريا اليوم.
فكأننا كعرب محكومون بحتمية الاحتراب الشامي/العراقي، منذ إنشاء عاصمة العباسيين في بغداد ضد عاصمة الأمويين في دمشق. فما لم ندرس هذه العقدة المركزية في تاريخ البلدين، فلن نفهم تاريخهما في الوقت الحاضر وأثره علينا كعرب. ولاحظ هنا أنه حتى لما حكم نفس الحزب في البلدين، وكانت لهما قيادة قومية موحدة، سرعان ما تحوّل الأمر إلى انقسام واقتتال دموي بينهما، هذا يعني أن صراع العراق والشام أعمق بكثير من البعد الطائفي الذي يروّج له البعض. ولذلك ما لم نقارب هذا المثال وغيره من الأمثلة، من زوايا علمية شاملة، بأبعادها المختلفة، فلن نفهم ما يحدث في الحاضر ولن نكون قادرين على التأثير فيه.