من المهم أن تعرف العلة التي تقودك إلى التعصب المنبوذ يوميًّا، فتوقد شعلته وتؤجج ناره في قلبك، إنها استهلاك مواد تستفزك وتدفعك نحو هذا التعصب المرضي كالقطيع، ما يدفعك للتعلق بالحشود العمياء التي تنمّق وتنوّع في المحرِّضات عبر معالجاتها الإعلامية لجميع الأحداث التي تدور من حولنا، وتقوم بأدلجتها بحيث تشعر أن التعصب سلوك فضيل يثاب فاعله ومن يحث عليه، ومن جانبٍ آخر يتم سبُّ وقذفُ من يُحذّر من الانجرار وراء هذه النوازع المقزّزة.
التعصب يتغذّى بشكل كبير في زمان الحدود المفتوحة والقصص المكذوبة، فنحن نعيش في عالم كأنه غرفة صغيرة، تسمع وترى كل شيء فيها، لكن بشكل متعصب ومنحاز، وقد يكون بشكل مفبرك كاذب، يمنعك من العدل في وصف ما تسمع وما ترى. الفلسفة الرِّواقية كانت واضحة في أن البشر لا يمكنهم التحكم في الأحداث أو ما يقوم به الآخرون، لكننا يجب أن نكون قادرين على التحكم وضبط ردود أفعالنا وتصرفاتنا، فإذا جرّك الآخرون لتكون منحرفًا متعصبًا، فهذه مشكلتك في المقام الأول. ومن الواجب الحذر من الاستهلاك اليومي للمواد التي تدفعك نحو التعصب، فمواقع التواصل الاجتماعي ستدفع المزيد من هذه المواد نحوك، ما سيزيد في قولبتك نحو هذا الاتجاه المريض الكريه.
خطيب المسجد الحرام الشيخ د. صالح بن حميد تحدث قبل أسبوعين ليصف الوضع بأجمل عبارات تكتب بماء الذهب، حيث أشار إلى أن “التعصب داء فتاك، هو علة كل بلاء، جمود في العقل، وانغلاق في الفكر”.
يعمي عن الحق، ويصد عن الهدى، ويثير النعرات، ويقود للحروب، ويغذي النزاعات، ويطيل أمد الخلاف، عنف وإقصاء يدعو إلى كتم الحق وستره؛ لأن صاحبه يرى الحق حجة لمخالفه، ويقلل من فرص التوصل إلى الحلول الصحيحة، وينشر الظلم وهضم الحقوق، ويضعف الأمة، وينشر الفتن والحروب الداخلية، التعصب غلو في الأشخاص، وفي الأُسَر، وفي المذاهب، وفي القوم، وفي القبيلة، وفي الطائفة، وفي المنطقة، وفي الفكر، وفي الثقافة، وفي الإعلام والرياضة، وفي كل شأن اجتماعي”.
وشخصيًّا أجد أن نظرة سريعة على ما تضج به مواقع التواصل وحسابات الأخبار، وما تنشر من المواد، وما يتصدر من “الترندات”، هو أحد أخطر المغذيات لهذا التعصب المرضي الفتاك؛ لذا ِاعْطِ نفسك فرصة للخروج من تغذية هذا السرطان قبل أن يستولي على عقلك، واحذر من التعليق على هذه المواد بما يزيد الطين بلة، أبعدنا الله جميعًا عن هذا الداء العضال.
كاتب بحريني