حدّد الدستور الضوابط والقواعد التي يمارس فيها العضو البرلماني أدواته الرقابية، من خلال السؤال والاستجواب، اللذين يعتبران من الحقوق الأصيلة والجوهرية لارتباط وجودهما بطبيعة النظام البرلماني نفسه. فالسؤال والاستجواب قد أحاطهما المشرّع بسور من الضوابط حتى لا يساء استخدامهما، فهما ليسا حقوقًا مطلقة وإنما مرتبطة بضوابط وغايات وشروط شرعها الدستور. فهي أدوات تمكّنهم من متابعة العمل الحكومي بطريقة رسمية لا تثير مسؤوليتها السياسية، على اعتبار أن هذه الأداة ليست إلا مجرد وسيلة للحصول على المعلومات والبيانات لتسهيل عمل عضو البرلمان، ومن ثمّ فهي ليست أداة لاتهام الحكومة كلها أو أحد أعضائها.
وهنا، ينبغي التوقف عند الغاية من هذه الأدوات التشريعية التي وضعها الدستور، والتي ينبغي استخدامها للمصلحة العليا للبلاد ومن خلال التعاون وليس التصادم بين السلطات الثلاث، لمتابعة ومراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي الذي وضعته كل وزارة وفق السياسة العامة للحكومة، إلا أنه يمتنع على السلطة التشريعية، وفق ما قرّرته العديد من المبادئ الدستورية حول العالم، التدخل في أعمال السلطة التنفيذية.
فالاستجواب أو توجيه الأسئلة إلى الوزراء هو حق دستوري لكل نائب بالمجلس، بل هو من أهم أدوات الرقابة البرلمانية التي هي أساس الحكم الديمقراطي؛ ذلك أنه يفتح الباب لمناقشة الوزير بشأن ما أثير بموضوع الاستجواب أو السؤال بمسائل داخلة في شؤون وزارته، وينتج عن هذه المناقشة تكشّف الحقائق وتقويم أي اعوجاج التي غايتها المصلحة العامة، وتفعيل وسائل الرقابة البرلمانية التي قد تؤدّي إلى المحاسبة والمساءلة.
فالاستجواب أو طرح الأسئلة، من أخطر أدوات الرقابة البرلمانية التي قد تؤدي إلى طرح الثقة بالوزير، لذا فقد أحاطها المشرّع بمجموعة من الضمانات والإجراءات التي تكفل استقرار الحكم.
وهو يختلف عن التحقيق البرلماني الذي وضعت أطره المادة (65) من الدستور، إذ يكفي لصحته أن يكون موضوعه محددًا وواضح المعالم، ولا يتطلب في الأمور محل التحقيق أن تكون فيها شبهة المخالفة، ولا وجه لقياس هذا التحقيق على التحقيق الجنائي لاختلاف طبيعة وغاية كل منهما والنتيجة المترتّبة عليه. كما يجوز دستوريًّا أن يطول التحقيق أعمالًا وقعت في عهد وزارة ووزارات سابقة على تشكيل الحكومة القائمة، في أي فترة معقولة من الزمن في ظل مجالس نيابية سابقة على المجلس القائم؛ لبحث المشكلات والأمور التي يحددها منطوق قرار التحقيق، حتى وإن كانت تلك الأمور والمشكلات جذورها ضاربة في فترات سابقة من الزمن؛ وذلك تمكينًا لجهة التحقيق من تحديد إطار المسألة وأبعادها والإحاطة بكل جوانبها واقتراح الحل المناسب لعلاجها، وهي الغاية التي وجد من أجلها التحقيق.
وقد رسم الدستور قواعد أساسية لكيفية توجيه الاستجواب وإجراءاته وغاياته وحدوده الشكلية والموضوعية، للحد من التردي في استخدامه كأداة يترتّب عليها إضرار بالمصلحة الوطنية على المستوى المحلي أو الدولي.
وفيما يتعلق بسؤال العضو البرلماني، فإن المادة (91) من الدستور، قد نصّت: “لكل عضو من أعضاء مجلس الشورى أو مجلس النواب أنْ يوجِّه إلى الوزراء أسئلة مكتوبة لاستيضاح الأمور الدَّاخلة في اختصاصاتهم..”، وبناءً عليه، فإنه يتعيّن أن يكون الوزير مختصًّا بأعمال الوزارة المراد طرح السؤال عنها، وأن تتوافر في اختصاصه، العنصر الشخصي أي أن يكون مكتسب الصفة الوزارية بتعيينه وزيرًا لوزارته، والعنصر الموضوعي أن يكون السؤال متعلقًا بأعمال وتصرفات داخلة في حدود اختصاصاته كوزير، والعنصر الزمني بأن تكون الأعمال والتصرفات محل السؤال قد صدرت عن الوزير أو تابعيه خلال فترة ولايته للوزارة منذ تاريخ تعيينه وزيرًا لها وتستمر طوال فترة بقائه في الوزارة، وعليه فإنه لا يجوز مساءلة الوزير عن الأعمال السابقة التي صدرت من وزير آخر من الوزراء السابقين، متى كانت هذه الأعمال السابقة قد تمّت ولم تستمر في عهده، فإذا استمرت في عهده معيبة دون أن يتخذ بشأنها في حدود سلطته إجراءً أو تصرفًا مكّنته قانونًا لإزالة العيب أو إصلاحه يسأل الوزير.
ويتضح من النص الدستوري، أن المشرّع الدستوري قد أعطى للأعضاء البرلمانيين سلطة توجيه أسئلة مكتوبة إلى الوزير في أمور خاصة بوزارته، أي أن الأمور المستفسر عنها يجب أن تكون متعلقة بالوزارة نفسها وليست خاصة بشخص الوزير وتتوافر فيها العنصر الموضوعي والزمني.
ولما كان السؤال، يكون موجّهًا إلى وزير بعينه وخاصًّا بأمور داخلة في شؤون وزارته أو عن برنامج قدمه أو التزم به فإن هذا السؤال يسقط بانتهاء التكليف الوزاري له أو بتغيير الوزير، ذلك أنه من غير المنطقي أو المقبول أن يوجّه السؤال إلى الوزير الجديد عن أمور لم يكن متوليًا أثناءها الوزارة وفق الأعراف الدستورية، وهو ما عزّزته المادة (143) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب التي نصّت على أنه “يسقط السؤال بزوال صفة مقدمه، أو من وجّه إليه، أو بانتهاء دور الانعقاد الذي قدّم السؤال خلاله”.
هل يكون الوزير مسؤولًا عن فترة ما قبل حمله الحقيبة الوزارية؟
وفق أحكام الدستور لا يكون الوزير مسؤولًا عن فترة ما قبل حمله الحقيبة الوزارية، إذ يسأل فقط عن الأعمال أو الأخطاء التي تصدر منه بعد توليه الوزارة وليس قبل ذلك، على أنه يمكن مساءلته في حالة استمرار الأعمال أو السياسات السابقة المعيبة في عهده دون أن يتخذ بشأنها إجراء وفق سلطته لإزالة العيب أو إصلاحه.
الأهم فيما تقدّم، أن صدور مرسوم ملكي بإعفاء الوزير أو إحالته للتقاعد دون اتخاذ إجراء آخر من جلالة الملك يترتّب عليه أثر دستوري بالغ الأهمية، فالدستور قد نصّ على أن الملك هو رأس جميع السلطات الثلاث (م 32) ولديه يسأل الوزراء متضامنين عن السياسة العامة للحكومة، ويُسأل كل وزير عن أعمال وزارته (م 33)، فإن صدور الأمر الملكي من رأس السلطة التشريعية بإعفاء الوزير أو إحالته للتقاعد يترتّب عليه إنهاء جميع الإجراءات المتخذة ضد الوزير سواء أكان استجوابًا أو سؤالًا إذعانا للمرسوم والإرادة الملكية التي لم تتضمّن أي إجراء آخر، وباعتبار أن الملك يحمي شرعية الحكم وسيادة الدستور والقانون (م 33).
وعليه، فإنه لا يجوز مساءلة الوزير، سؤالًا أو استجوابًا، عن الأعمال السابقة التي وقعت قبل توليه الوزارة التي يحمل حقيبتها، كما لا يجوز استجواب الوزير عن الأعمال السابقة التي صدرت من وزير آخر أو من الوزراء السابقين الذين تولّوا الوزارة قبل تعيين الوزير المراد استجوابه وزيرًا بها متى كانت هذه الأعمال السابقة قد تمّت، ولم تستمر في عهده، كما يسقط السؤال أو الاستجواب بإعفاء الوزير أو إحالته للتقاعد.