عندما كان يجتمع أباطرة روما بالناس، كانوا يطلبون من الفنانين وأهل الفكر الجلوس في الصفوف الأولى، بينما كان أباطرة الصين يضعون شرائط صفراء على سواعد الفنانين والمفكرين لتميزهم عن بقية الناس، وقيل إن رئيس وزراء الهند الرابع مورارجي ديساي، كان لا يخطب في مكان أو ولاية إلا ومجموعة من الفنانين موجودون، خصوصًا نجوم السينما في تلك الحقبة من الزمن، ومن الطرائف العجيبة في أحد بلدان أميركا الجنوبية أن هناك توجيهات صادرة من زعيم عصابة لأفراد عصابته بعدم التعرض وإيذاء أي فنان وإلا سيكون مصيره الزوال.
ونستطيع بذلك أن نتبيّن إلى أي مدى تمتد وظيفة الفنان.. فهي لا تقف عند النظر إلى المجتمع ونقده أو تقديمه بغير نقد، وهي لا تقف عند تقديم الآراء والأفكار للمجتمع، وهي لا تقف عند مجرد الفن بكل ما للفن من وظائف للحياة، إنما تمتد وظيفة الكاتب والفنان إلى أن يكون حلم الإنسانية وآمالها، فهو يحلم للإنسانية ويستشف من وراء حجب الخيال ومن بواعث کوامن الآمال ما يصبو إليه الإنسان، وأن كثيرًا مما تتمتع به الحياة اليوم من واقع مرفّه سعيد كان بالأمس خيال فنان تلقفه عالم فحوله إلى حقيقة وواقع.
فالفنان في الحياة إذًا هو إلهام الحياة، هو تلك الشرارة التي تتوهج فجأة في رأس الإنسانية، فلن نجد فنانًا فكّر في القنبلة الذرية قبل ميلادها، وقد تجد فنانًا فكّر في كثير من المستحدثات الأخرى التي تنعم بها الإنسانية.