يأتي الاجتماع السنوي المشترك بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في ظل توقعات عالمية تشير من جهة إلى أفق اقتصادي واعد، ومن جهة ثانية إلى استمرار الاضطرابات العالمية والإقليمية، في العديد من أقاليم العالم ومناطقه. وعلى الرغم من حالة الفوكا “VUCA”، التي يشهدها العالم، من حيث كثرة التقلبات في المواقف السياسية والاقتصادية، وعدم اليقين والتعقيد والغموض فيهما، بيد أنّ الواضح هو في توجه العالم نحو خروج آمن من تعقيدات وآثار الجائحة، وهبوط سلس وآمن بعيد عن منعطفات حالة التشدد الكمي، والتضخم المنفلت، والبطالة غير المستقرة. والتوقعات العالمية تشير إلى أن حقبة جديدة بدأت منذ الشهر المنصرم، عبر تخفيض أسعار الفائدة، وبالتالي انخفاض كُلَف الاقتراض، وتحول منحنى الفرصة البديلة في صالح الاستثمار على حساب الاكتناز، وفي صالح حقن الاقتصاد بالسيولة، على حساب مزيد من التجفيف الكمي للكتلة النقدية الهائمة منذ سياسات الانفلات الكمي، الناتجة عن تحويلات نقدية مباشرة كبيرة، وغير مبررة في كثير من الحالات، والتي نتجت عن محاولة معالجة تأثيرات الجائحة على الأفراد والمجتمعات.
والاقتصاد العالمي يتجه إلى معدلات نمو حقيقي أفضل مما كان عليه، وبنسب تتجاوز 4.2 % في الدول الناشئة والنامية، وبنحو 1.8 % في مجموعة الدول المتقدمة، وبمعدل عالمي يصل إلى نحو 3.2 %، ما يعني أن آفاق الاقتصاد العالمي مازالت إيجابية في العام 2025، عما كانت عليه العام 2020. والأفق الاقتصادي للدول العربية أيضا يشير إلى معدلات نمو حقيقية تتجاوز في بعضها ما يُتوقع للدول الناشئة، وخاصة في حالة السعودية والإمارات ومصر. التوقعات العالمية تشير إلى معدلات نمو أفضل من العامين الماضيين، وتؤكد حقيقة أن العالم يتجه إلى دورة اقتصادية قد تظهر سخونتها وانطلاقتها بشكل جوهري مع نهاية العقد الحالي، ليكون العقد القادم أكثر حيوية من الناحية الاقتصادية. وتبقى في هذه المنظومة قضيتان لابد من الإشارة إليهما: الأولى هي أن الحاجة مازالت ماسة في المنطقة العربية لتحسين إدارة الدين العام، وهو ما يتطلب ضرورة عدم الهرولة نحو مزيد من الديون الجارية والتجارية، بفضل انخفاض كُلف الاقتراض عالميا، كما يتطلب ضبط الإنفاق العام الجاري بشكل كبير، وترشيده نحو مزيد من المشروعات الرأسمالية المشتركة. أما القضية الثانية فهي تكمن في ضرورة اتباع سياسات لمعالجة معضلة البطالة الهيكلية الساخنة في المنطقة العربية، وخاصة خارج منظومة دول الخليج، والحل الأمثل يكمن في اللجوء إلى سياسات محفزة للاستثمار، تستثمر في الشباب، وترفع من مستوى مهاراتهم، وتستوعب فراغهم في سوق العمل والإنتاج والإبداع والابتكار.