بدأ العد التنازلي لاستقبال العام الجديد، وفجأة أصبح للعرافين سوق مميز يروج له بدعاية باذخة في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، فكانوا فيما سبق يُسألون عن توقعات العام الجديد والأبراج والنجوم، لكنهم الآن أصبحوا أكثر براعة، فباتو يدلون بدلوهم فيما يخص الأوضاع السياسية والاقتصادية مع الكثير من “الأكشن” والبهارات والمعلومات الكمية العامة غير المحددة التي قد تصيب أو تخيب. والحقيقة أن علم التنجيم علم حقيقي، ودلالاته كثيرة، كقسم المولى عز وجل في كتابه الحكيم بمواقع النجوم، وكذلك ما تناقلته الروايات والأحاديث عن بزوغ نجم أو علامة عند ولادة نبي بعينه، كما حدث عند ولادة أشرف المرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام وغيره من الأنبياء الأتقياء سلام الله عليهم، أو حتى إيمان البعض - وقد أكون منهم - بأن الأشخاص الذين يولدون في تواريخ متشابهة قد تكون لديهم صفات متشابهة تختلف باختلاف البيئة والتربية والظروف، لكن ما يحدث على الهواء مباشرة في عدد كبير من القنوات الفضائية (العربية بالتحديد) أمر مضحك للغاية، أن يخرج في كل قناة شخص يدعي أنه مستبصر، ويبدأ في سرد خزعبلاته وتوقعاته التي غالبا تعتمد على نشر الهلع والخوف بين العامة أو حتى بث الأماني التي لا أساس لها من الواقع، في غياب تام لمحللي الرأي في مواضيع السياسة والاقتصاد وفي ظل وجود جمهور بوعي أكبر وبقاعدة معلوماتية أوسع يستطيع أن يربط من خلالها الأحداث ببعضها، وأن يقوم بتحليلها واستنتاج ما هو آت أو ما قد تؤول إليه الأوضاع. وحتى لا أظلم أحدا فقد عكفت قبل كتابتي على متابعة شخصيات ارتفعت أسهمها في الفترة الأخيرة بقوة توقعاتها وصدق حدسها.
وأود أن أقول إن أغلبهم يحاول أن يظهر في صورة (العالِم) بالأمور الغيبية، وأنه ذو حدس ثاقب، إلا أن ما يتم التصريح به على ألسنتهم ما هو إلا (شوية خزعبلات) لا تسمن ولا تغني من جوع، بالإضافة إلى بعض التوقعات العامة التي من الممكن حدوثها في أي ظرف وأي مكان وأي زمان، وقد يكون القلة منهم مسير فقط للتصريح بأجندة مدفوعة الثمن مسبقا، ومازلنا نحن نتمنى أن نسمع من هؤلاء كلمات إيجابية تحمل في طياتها ما تطمئن له قلوبنا ويرتاح له بالنا ويبعد عنا شتات التفكير فيما يحدث من حولنا من أحداث جسيمة، فهل لنا بعقل رشيد وقلب سليم يخرجنا مما نحن عليه الآن من حاجة ماسة لسماع الكثير من الهراء عبر الفضائيات؟