الاقتصاد العالمي في مأزق، دول جنوب ودول شمال، ما بين شرق يحاول، وغرب مُتخم بالتكنولوجيا، ما بين أوزون متمادٍ وصراع على أهبة الاستعداد كي يدلي بدلوه في مختلف القضايا المعاصرة.
يقولون: إنها الحروب، ونقول: هو العِلم، وهي الحضارة. يقولون: إنها الآلة، ونقول: إنه العنصر البشري.
من هنا حرصت الجامعة الأهلية وفي نسخة ثالثة على تنظيم مؤتمر الثورات الاقتصادية العالمية (عصر الاقتصاد الرقمي)، بحضور نخبة من المفكرين والخبراء والأكاديميين والباحثين، يتقدمهم وزير التربية والتعليم رئيس مجلس أمناء مجلس التعليم العالي الدكتور محمد بن مبارك جمعة، لبحث كل ما يتعلق بالمتغيرات التي فردت أجنحتها على الاقتصاد العالمي وتأثير ذلك على اقتصادات الدول الناشئة بما فيها دول المنطقة.
الأوراق البحثية والمناظرات العلمية التي تخللت المؤتمر كشفت عن تضارب في الآراء، ما بين مؤيد ومعارض، ما بين متحمس لفكرة المآب الذي تسعى إليه الاقتصادات الوطنية وهو النماء المستدام، وفريق آخر لا يرى في ذلك النماء سوى شعار أممي رفعته الأمم المتحدة ولا يمكن تحقيقه إلا إذا اتفق العالم شماله وجنوبه، شرقه وغربه، على حقائق وجودية ثابتة توفر العدالة في حماية كوكب الأرض من التلوث، وصيانة البيئة الإنسانية من التعاظم الإشعاعي الكوني بفعل اتساع طبقة الأوزون، والتمادي في العدوان “الغربي” عليها.
مناظرات تحدثت عن الإنسان ودوره في رفع مناعة الكوكب ضد “اللا-سلام” و “اللا-عدالة” في توزيع أعباء الكون على الجميع من دون تفرقة أو استثناء.
وعلى مدى ثلاثة أيام من ورش وجلسات العمل، وفحص الأوراق البحثية، تمكن المؤتمر الاقتصادي الدولي للجامعة الأهلية من الوصول إلى حقيقة ثابتة تقول: “ما يُدرك جله، لا يُترك كله”، وهي حقيقة تؤكد المدى البعيد الذي توصلت إليه الجامعة الأهلية من خلال فرق باحثيها، وبحوثها المشتركة في مجالات الإدارة المالية، وتكنولوجيا الاتصالات، وخوارزميات المعرفة المستدامة، هو ما يؤهل الجامعة الأهلية دائمًا أن تمتلك حق السبق في فك ذلك الارتباط التاريخي بين النظرية والتطبيق، أو ما بين البحث العلمي كونه بحثًا في حد ذاته، وتطبيقاته على الأرض بحيث يصب في خدمة المجتمع والناس.
بالأرقام وبعد نتائج بحثية، يمكننا أن نتحدث عن عدالة توزيع الأعباء على الأرض، على إمكان إعادة ترتيب الأولويات لدى الدول المُنتجة للتكنولوجيا، وتلك التي تستخدمها بإفراط، بين التقدم الذي أصبح ممتلكًا لأسرار المعرفة وحبكة التواصل بين الأمم، والتخلف الذي اتسعت دائرته بفعل الحروب والمناكفات والصراعات على مناطق النفوذ والثروة.
320 تريليون دولار ديون الكوكب بنهاية العام 2023، من يا تُرى يسدد أعباء هذا الدين؟ دولتان فقط تمتلكان نصف الناتج المحلي الإجمالي للأرض، أيهما يا تُرى ساهم في زيادة هذه الأعباء؟
يقولون: لم يكن في الإمكان أفضل مما كان، لكنني أرى من خارج دائرة المؤتمر، بل ومن داخل العمق الاستراتيجي لتفكير إنساني يخشى على مصالح بلاده وثرواتها البشرية، أعتقد أنه يمكن في الإمكان الأفضل، يمكننا أن نعتمد على أنفسنا بإعادة تدوير مخرجات استهلاكنا للتكنولوجيا، وإعادة تفعيل الساكن داخل مناطق نفوذنا وتحويلها إلى قوى فاعلة بعيدة المدى، تخطط لتنفذ، وتنفذ لتنقذ.
هكذا يمكن أن تكون لتوصيات ورش العمل لمؤتمرنا الاقتصادي فرصة للتألق على الأرض، للحضور بقوة ضمن القوى المحركة لصيرورة المجتمع، وتصبح التنمية المستدامة حق مشروع، وحقيقة وجودية داخل محيط الدول المؤمنة بأهدافها السبعة عشر، وبرؤيتها الممتدة في الأعوام 2030 - 2050.
من هنا حرصنا في الجامعة الأهلية أن تتفق مناهجنا الدراسية وبرامجنا الأكاديمية، وأوراقنا البحثية مع حاجات مجتمعنا المتزايدة، وتحويله إلى مجتمع الكفاية في الإنتاج، والعدالة في توزيع المهمات الصعبة على الجميع.
النشاط الاقتصادي في مملكتنا الحبيبة يمر بفترات حركة وحالات سكون، لكنه في النهاية يستطيع بلوغ التوازن المالي في الوقت المحدد، وتحقيق هدف الرفاهية للجميع بعد أن يتحقق من الجميع كل الآمال المعقودة عليهم، من تنمية بشرية فائقة الجودة، وقفزة حضارية يلعب التعليم فيها دور القبطان الذي لا يضل طريقه أينما ذهب.