البحرين قادرة على أن تكون مركزا عالميا لزراعة الأعضاء... الاستشاري الحلو لـ “البلاد”:
بنات “شجاعات” دون 18 عاما تبرعن بكلاهن لوالديهن
-
المملكة سباقة خليجيا ومتميزة بكوادرها منذ البدايات الأولى
-
المركز السعودي للأعضاء يعد المركز المرجعي لنا جميعا
-
اللائحة التنفيذية ستنقذ حياة كثيرين من الموت المحقق
“أجريت في مسيرتي أكثر من 500 عملية لمتبرعين، والمتبرع شخص يأسرك بأمور عدة، منها شجاعته؛ لأنه غير ملزم بالدخول في عملية مؤلمة، ومتعبة، قد تودي بحياته، وإن كانت بنسبة قليلة”. بهذه الكلمات، تحدث استشاري المسالك البولية والتناسلية والعقم وزراعة الكلى د. أحمد الحلو لـ “البلاد”، في لقاء تتناول فيه الصحيفة مستجدات نقل وزارعة الأعضاء في البحرين، بعد إصدار اللائحة التنفيذية المنظمة لذلك، واستكمالا لدور الصحيفة الإنساني في توعية المجتمع، عبر حملة “حياة جديدة”.
وبلحظة كلها احترام، وتوقير، يضيف الحلو “مرت عليّ حالات، تبرعت فيها بنات دون 18 بكلاهن لوالديهن، وحين كنت أجري العملية، كان ينتابني شعور بالتواضع أمام هذا المتبرع، الذي كله إيثار، وشجاعة، ووفاء”. وفيما يلي نص اللقاء:
بداية، ما الذي يميز تخصص نقل وزارعة الأعضاء عن غيره من التخصصات الطبية الأخرى؟
هو من التخصصات المنظمة بشكل عال جدا، والمنضوية تحت المرحلة الثالثة من العلاجات الطبية، حيث تتداخل به العديد من التخصصات الطبية، لتشمل علاوة على الجراحين، اختصاصيي الكلى، وغيرهم.
وما يميز هذا التخصص، هو طبيعة حالة المريض، ونوع العضو الذي ستتم زراعته، حيث تصاحبه تخصصات علاجية مختلفة، تشمل ترتيبات ما قبل العملية، ودراسة الحالة، ثم ما بعد العملية.
وفي الزيارة الدورية التي يقوم بها الطبيب للمريض بعد الزراعة، يكون في صحبته الفريق العلاجي كله، بكادر يصل إلى 10 أشخاص، حيث يدلي الجميع بدلوه، ورأيه، أثناء العملية، أو بعدها.
كيف تقرأ إصدار الحكومة للائحة التنفيذية لقانون زراعة الأعضاء للعام 2024؟
أفرحنا ذلك كثيرا؛ لأنه سينظم الأمر قانونيا، وسيساعد المرضى ويخفف عنهم عناء السفر للخارج، كما سيقطع الطريق على من يسعى لزراعة عضو بطريقة غير قانونية، حيث يضطر كثيرون لذلك سابقا، كما سيساعد على إنقاذ حياة كثير من المرضى من الموت المحقق.
هل زراعة الأعضاء في الخارج بشكلها الحالي غير مضمونة؟
بكل تأكيد، فهنالك الكثير من المرضى ممن يسافرون إلى الخارج باجتهاد شخصي؛ بسبب شح الحلول المتاحة لهم، وضيق الوقت، لكنهم يرجعون، ولحالات عديدة، خاليي الوفاض، حتى لو أجروا عمليات الزراعة.
والسبب أن بعضها يتم بشكل خاطئ، كأن لا تتطابق أنسجة العضو مع أنسجة جسم المريض، أو أن العملية لم تتم بطريقة طبية صحيحة، أو لأن المتابعة للدورة العلاجية كانت خاطئة، وغير حرفية.
وفي بعض الحالات، بعد إتمام عملية الزراعة بالخارج، يعود المريض بعد مرور يومين فقط من ذلك، وهذا أمر خاطئ، حيث يحتاج لفترة نقاهة لا تقل عن أسبوع؛ للتأكد من تنظيم الأدوية، واحتواء المضاعفات الجراحية الأولية، وغيرها.
ما الذي يميز البحرين في هذا المضمار؟
البحرين سباقة خليجيا في نقل وزارعة الأعضاء، ومتميزة بكوادرها منذ البدايات الأولى، واللائحة التنفيذية الجديدة، متطورة، وستساعد على أن تكون البحرين مستقبلا متقدمة بنقل وزراعة الأعضاء، على صعيد السياحة العلاجية.
كيف هي النسبة والتناسب ما بين العرض والطلب من الأعضاء؟
هنالك نقص كبير في الأعضاء المتوافرة، يقابله تنام كبير في عدد الحالات التي تحتاج لزراعة الأعضاء، خصوصا مرضى الفشل الكلوي، والسبب أن الأمراض المرتبطة به في ازدياد، كالسكري، والضغط، ما يزيد من نسبة الحالات.
ما أنواع المتبرعين بالأعضاء؟
النوع الأول الأحياء، وينقسمون إلى الأقارب، وغير الأقارب، ونحن في البحرين بحاجة لتطوير ثقافة نقل الأعضاء من غير الأقارب، وبالإمكان الاستفادة من بعض الدول الجارة التي حققت نجاحا في ذلك، على رأسها المملكة العربية السعودية.
وهنالك المرضى المتوفون دماغيا، ولهم بروتكول خاص. وآخرون متوفون قلبيا وهو نوع جديد، قطعت فيه الكثير من الدول الغربية شوطا كبيرا.
وللتوضيح، فنحن لا نجد التحرج من التبرع من قبل الأحياء، بخلاف المتوفين دماغيا، لنواحٍ مختلفة، قد ترتبط بالتحرج الديني، أو عدم القناعة بالأساس من فكرة المتوفين دماغيا، وعليه فإن مهمتنا بالأساس هي إثبات أن الوفاة دماغيا أمر واقعي وحقيقي.
وكذلك أن نعطي الضمانات للناس، بأن الفريق الطبي الموجود، قادر تشخيص الموت الدماغي، من غير شكوك.
كم عدد المرضى الذين يمكن إنقاذهم بأعضاء المريض الميت دماغيا؟
بالمتوسط 9 أشخاص، وبكليتين، وكبد بالإمكان تقسيمه على اثنين، وبنكرياس، وقلب، ورئتين، وقرنيات، وعظم، وشرايين، وبذلك إحياء لناس مهددين بالموت المحقق، ففشل عضو واحد بالجسم، يتسبب بتعطيل عمل بقية الأعضاء الأخرى.
كيف تقيم التجربة البحرينية الآن؟
من المهم أولا أن ننظر لهذا الأمر كبرنامج متكامل، تدخل فيه الكثير من الأطراف، خصوصا مع وجود الخبرات والتجارب الناجحة، ونحن قادرون بإذن الله، وبدعم الحكومة، ورؤية سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، أن نحقق الكثير بهذا المضمار.
وبحيث يتم إجراء عمليات نقل الأعضاء وزراعتها في البحرين، بدلا من سفر المرضى للبلدان البعيدة، حتى لو استعنا بالكوادر الطبية الخارجية، مع تطوير الكوادر الوطنية بذات الوقت.
أشرت أثناء حديثك إلى حلم جميل، تكون فيه البحرين مركزا عالميا لزراعة الأعضاء، ما الأرضية التي نحتاجها لتحقيق ذلك؟
البحرين سهلت التنظيم عموما، لكن المهم أن تكون الرؤية واضحة، وأن تتوحد الجهود في مسار واحد، وعلى سبيل المثال فإن السعودية دولة كبيرة وقطعت شوطا في هذا الأمر.
ولكن حين يحتاج الفريق الطبي لأن ينتقل من مكان لآخر، لاستئصال الأعضاء، فإنه يحتاج أن يتنقل بالطائرة، من جدة إلى الرياض مثلا، أو العكس، أو من تبوك إلى الشرقية.
لكننا في البحرين لا نحتاج لذلك، حيث يستطيع المريض، كما نفعل، إجراء فحص النسيج في السلمانية، ثم نطلب منه انتظار اتصال هاتفي، حتى نصل إلى التطابق، لنعيده مجددا للسلمانية، فمساحة البلد صغيرة، والتنقل سهل وسريع.
والأمر الآخر هو كفاءة الأطباء، والفرق الطبية المصاحبة لهم، وعلاقتهم المميزة مع المرضى، وهي حالة عامة بدول الخليج؛ نظرا لدعم الحكومات، وتقارب التشريعات، ولكن في البحرين نحن متميزون بشكل أكبر، وحتى الشعب البحريني بطبيعته طيب، ومتعاون، ولا يتردد بعمل الخير، ومساعدة الآخرين.
ولأن خلاصة فكرة التبرع بالأعضاء، أن شخصا يؤثر قطعة من جسده، لإنقاذ شخص آخر، وكل المجامع الدينية اليوم، تشرع، وتجيز التبرع بالأعضاء، على رأسها السعودية.
وللعلم، فإن المركز السعودي للأعضاء يعد المركز المرجعي لنا جميعا، حسب ما وقعنا عليه، منذ أكثر من 10 سنوات، وكنت حينها رئيسا للجنة الخليجية لزراعة الأعضاء (العام 2011).
كم معدل الحاجة لزراعة الأعضاء سنويا في البحرين؟
50 تقريبا، ولدينا في البحرين القدرة على تحقيق هذا الرقم.
ما أكثر الأعضاء طلبا؟
الكلى بلا شك، والسبب هو ارتباط الفشل الكلوي بشكل شائع بعدد من الأمراض المزمنة، كالسكري بنسبة 40 %، وضغط الدم بنسبة 30 %، وهما مرضان شائعان بين الناس، بسبب نمط الحياة اليومي.
ولي أن أشيد هنا بأطباء العائلة في مراكز الرعاية الصحية، ممن لديهم المهارة والقدرة على اكتشاف الإشارات المتعلقة بقرب الإصابة بالفشل الكلوي، والعضوي، وإسراعهم بتحويل المريض إلى الطبيب المختص لمتابعة الحالة، وعلاجها.
وبالنسبة لبقية الأعضاء الأكثر طلبا، يأتي الكبد في المرتبة الثانية، يليه القلب، فالرئتان، وتقوم بعض الدول الآن، ومنها السعودية بزراعة البنكرياس، فعندما يحتاج مريض الفشل الكلوي لزراعة الكلى، ويكون سبب الفشل مرض السكري على سبيل المثال، يقوم الفريق الجراحي بالإضافة لزراعة الكلى له، بزراعة البنكرياس أيضا، لاستئصال أساس المشكلة الصحية، ولضمان عدم عودة الفشل الكلوي مرة أخرى.
لماذا هنالك شح بعدد الأطباء البحرينيين المتخصصين في نقل وزارعة الأعضاء؟
السبب الرئيس أن البرنامج كان بحاجة لأن يستقر ويتطور، كما أنه تم الاعتماد على استمراريه بناء على الأشخاص، وهنا مكمن الخطأ، حيث كان يفترض أن يكون النهج للبرنامج مؤسساتي، بحيث لا يعتمد استمراره على اشخاص معينين، ولا يشكل خروجهم، بذات الوقت، أي ضرر لاستمرارية البرنامج.
ولقد تم تفادي هذا الأمر الآن، مع انتقال المشروع إلى مستشفى الملك حمد الجامعي، حيث يتم العمل برؤية شمولية، وليست فردية.
وسيستمر نجاح المشروع، مع وجود الكوادر الوطنية الواعدة، منهم د. مروان بوجيري، الذي يحظى بدعم الأطباء الزائرين من السعودية، من مستشفى فهد التخصصي بالدمام، ونأمل أن يقود دفة البرنامج في المرحلة المقبلة، ونحن على أتم الاستعداد لمساعدته.
كونك طبيبا متخصصا في زراعة الأعضاء، ما الجانب الإنساني الذي يلقي بظلاله في نفسك من معاناة وآلام المرضى؟
أجريت في مسيرتي أكثر من 500 عملية لمتبرع، والمتبرع هو شخص يأسرك بأمور عدة، منها شجاعته؛ لأنه غير ملزم بالدخول في عملية مؤلمة ومتعبة، قد تودي بحياته، وإن كانت بنسبة قليلة.
كما أن الكثير من المتبرعين الأقارب، هم من أقارب الدرجة الأولى، كأن يتبرع أب لابنه ذي العامين، فتخيل مشاعر الأبوة وهي تتدفق في نفسك وأنت تجري العملية بين الأب وطفله الصغير.
ولقد مرت عليّ حالات، تبرعت فيها بنات دون 18 بكلاهن لوالديهن، وحين كنت أجري العملية، كان ينتابني الشعور بالتواضع أمام هذا المتبرع، الذي كله إيثار، وشجاعة، ووفاء.