العدد 5833
الخميس 03 أكتوبر 2024
banner
أن تكون إنسانا.. القسوة المدركة لفعلها!
الخميس 03 أكتوبر 2024

ما هو إنساني فينا هو الجوهري، وهو ما يتبقى بعد أن ينتهي كل شيء، فمن فقد إنسانيته من الصعب أن يستعيدها، لأن فقدها يعني فقدان القدرة على الإحساس بمشاعر الآخرين، فعندما تسير في الشوارع والطرقات، وترى تلك الوجوه بسحناتها المتعددة موزعة على الأعراق والأديان، فإنك لا ترى في الواقع سوى الإنسان يلفه النور والظلام والأمل والنسيان، والفرح والألم في رحلة الهراء العنصري والطائفي التي تكتسحنا، فتلك الوجوه تجمعها الإنسانية، ولا يمكن أن تستقل بثقافاتها من أجل إيقاظ الحروب الكامنة.
“الحس الإنساني” وحده يوقفنا أمام ألم الإنسان واحتياجه وجرحه وأمله، لأنه لا شيء يشبهنا في الكون مثل الإنسان، ولا شيء يعنينا أكثر من كرامته التي منحها له خالق الأكوان. فكل إنسانيته، هي كل إنسانيتنا التي يحميها الضمير، ويمنعها من فاسد القول والفعل، لكننا واجدون من يستخدم شيطان العقل وعبث اللغة بأقصى شرّهما، كي يدك إنسانية الإنسان، وعندما تكون القسوة مُدركةً لفعلها، فإنها تكون مروّعة، وأشد إيذاء من أي فيروس قاتل. فمهما اختلفنا في الرأي والدين والمذهب والموقف والموقع، ما يجب أن نفقد الحس الإنساني، لأن فقده يؤدي إلى التوحش والقسوة، وأحداث التاريخ تنبئنا بأن أكثر الأفعال توحشًا ناجمة في الأساس عن تحول الإنسان إلى لا إنسان، فيفتك بالآخر فتكًا. بعكس التعاطف الذي يغذي الأمل ويوسع الإنساني فينا، وينشر التفهم والتعاطف والتسامح.. والذين يفتقدون ذلك مهما كانت مواقعهم وأدواتهم، هم وباء متوحش، قاصرون عن تحقيق وجودهم، إلا بإيذاء الآخرين والفرح لمصائبهم، بما ينم عن موت الإنسان فيهم، وزوال نوازع الخير من ضمائرهم. هؤلاء نجدهم في كلّ مكان: في كريات الدم الحمراء والبيضاء، في تخوم المدن والأرياف، في رحلة الشتاء والصيف، مصابون بفيروس الكراهية والتعصب، يقيمون جدرانًا تحيط بأنانيتهم المؤسسة لعزلة الإنسانية وموتها.
همس
على الهامش 
تكتب شيئا قابلا للزوال
وحزينا:
عن طرقاتٍ خالية من الضجيج
والدخان.
عن مقهى ودّع سكانه
ونام.
عن رسائل لا تصل.
عن مطر لا يهطل
عن التراب فقد رائحته.
عن ذَاكرة بلا تاريخ
عن زهرة بلا رائحة.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .