من الواضح أن مرحلة القانون الدولي في طريقها إلى الزوال، وأن العالم بدأ يعيش مرحلة ما يسمى بالنظام الدولي القائم على القواعد، ولا يخفى طابع التحايل والتضليل في صياغة هذا المفهوم لتجاوز مقتضيات القانون الدولي الذي حكم سلوك الدول منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية على الأقل. ويطرح هذا المفهوم الملتبس أسئلة مشروعة، منها: لماذا يتم إحلال النظام القائم على القواعد محل النظام القائم على القانون الدولي؟ وما هي هذه القواعد ومن يضعها؟
منذ انتهاء الحرب الباردة في العام 1991م ارتأى صانعو القرار الأميركي أن القانون الدولي من شأنه أن يقيّدهم ويحد من مصالحهم، فاخترعوا مصطلح النظام الدولي القائم على القواعد، بديلا عن القوانين الأساسية الحاكمة للعلاقات الدولية التي تستند إلى مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات والوثائق التاريخية ذات الصلة. وجرى تدريجيا التوسع في استخدام هذا المصطلح بشكل واضح إبان الغزو الأميركي للعراق في العام 2003. فكانت تلك الحرب من أسباب اختراع هذا المصطلح للتخلص من قيود القانون الدولي الذي يعتبر غزو العراق غير شرعي. ومن بين أهم أسباب الالتفاف على القانون الدولي أن الولايات المتحدة الأميركية ليست إلى اليوم طرفاً في العديد من المعاهدات متعددة الأطراف المهمة التي تشكل سمة أساسية للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف بشأن قوانين الحرب، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية حقوق الطفل واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرها من الاتفاقيات التي تعد اليوم مرجعا لسياسات وسلوك الدول، ونتيجة لتجاوز القانون الدولي في العديد من الحالات أصبح من المعتاد الاستماع إلى عبارات من نوع: احتلال الدول المارقة وفرض العقوبات على الدول والكيانات والأفراد من خارج القانون الدولي، والحصار والقصف والاحتواء والضربات الاستباقية، وغيرها من المصطلحات التي سادت خلال العقود الماضية. إن النظام الدولي القائم على القواعد هو باختصار مجرد التفاف على القانون الدولي، وسعي لتجسيد مصالح الغرب الجماعي، وهو نظام مجحف، ويلحق الضرر بمؤسسات الأمم المتحدة ومصداقيتها، لذلك كان على الغرب الجماعي وضع العراقيل في طريق بزوغ قوى منافسة له ترفض منطق (القواعد). وللحديث صلة.
*كاتب وإعلامي بحريني