صحيح أن الغرب الجماعي ما يزال يُمسك بعناصر القوة السياسية والمادية وبماكينة الدعاية الإعلامية، وفرض مفهوم “النظام العالمي القائم على القواعد” بدلا من القانون الدولي، لكن هذا الغرب بدأ في السنوات الأخيرة يلوك في مرارة لا تخلو من الادعاء، هبوط هيمنته وتأثيره السحري رغم ازدياد حضوره العسكري، وذلك بسبب عدم امتلاكه رؤية أبعد من مغريات جلب المصالح المباشرة والحسابات الضيقة بأي ثمن من خلال فرض قواعده بلا احترام القانون الدولي المستقر الذي رضيت به دول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ففي الوقت الذي تتحرك فيه الأساطيل الغربية دون رادع، وتفرض آلاف العقوبات على الدول خارج القانون الدولي، يتراجع السحر الغربي في أرجاء العالم ويزداد حجم الرفض لسياسته ومواقفه في مختلف القضايا والصراعات الدائرة، وبذلك أصبح لا يقود العالم، إنما يهيمن عليه وشتان بين المفهومين. وحتى هذه الهيمنة تراجعت في السنوات الأخيرة وبدأت تتفكك، وبدأت معظم الدول تتحرر من ربقة تلك الهيمنة بحثا عن أفق جديد لتحقيق مصالحها التي تتلخص في الأمن والسلام لا في الصراعات وسباقات التسلح.
إن مجرد امتلاك القوة لا يخلق رؤية لوحده، وهكذا فوجئ الغرب الجماعي بسرعة التحولات في العالم، في ضوء سياسته الحالية التي تدفع به نحو استراتيجيات الجنون العبثية. لذلك يبدو عاجزا عن تحديد المشكلات وحلها، في حين وبكل مكان في العالم تبرز القوى الجديدة الناهضة، ولعل مجموعة (بريكس) أصبحت أكثر جاذبية من أية مجموعات أخرى قائمة على الهيمنة والاحتقار والازدراء، في ظل توقف الغرب الجماعي عن الاضطلاع بمسؤولياته وبعدالة وإنصاف وأخلاق في جميع القضايا الدولية الساخنة. إن الإفراط في استخدام القوة العسكرية واعتبار المناهضين لهيمنة الغرب خارجين عن القانون، أو مجرد “أشرار”، أو متوحشين مثلما وصفهم السيد جوزيف بوريل صراحة، قد جعل العالم في واد، والغرب في واد آخر، نتيجة استشراء جنون الهيمنة والفوبيا من روسيا والصين ومن قبلهما الإسلام. ومن الواضح أن هذا الغرب لم يعد ملهما أو حلما تتعلق الشعوب به. ولن يفيده كثيرا وضع العراقيل في طريق بروز قوى دولية أخرى منافسة له. فالعالم آخذ في التغير بشكل حتمي.
كاتب وإعلامي بحريني