في مقال نشر مؤخرا في مجلة (فورن أفيرز Foreign Affairs)، أشارت الدكتورة أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، في معرض حديثها عن الإبادة الجماعية في غزة، إلى أن “المبررات الواهية التي يقدمها المسؤولون المنتخبون في الديمقراطيات الغربية، تنذر بانهيار النظام العالمي الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية، وأن النظام القائم على القواعد في طريقه إلى الاندثار، وربما من دون عودة”. وإذا كان ما أشارت إليه الدكتورة أنياس صحيحا على صعيد التوصيف، فإن كلامها بشأن سرعة زوال النظام القائم على القواعد الذي فرضه الغرب بديلا عن القانون الدولي يبدو مفرطا في التفاؤل، فهو لن يزول إلا بعد تغير ميزان القوى العالمي، ربما بعد مواجهات لا ندري مداها ولا نعلم خطورة آثارها.
إن “النظام القائم على القواعد” انكشفت تناقضاته ونفاقه عند المقارنة على سبيل المثال فقط بين آلية اشتغاله في أوكرانيا وآلية اشتغاله في غزة. وعند التعاطي مع إسرائيل المتهمة دوليا بالإبادة الجماعية، فقد دخلت إسرائيل قفص الاتهام في محكمة العدل الدولية، وقامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتصويت بالأغلبية على قرار يطالبها رسميا بإنهاء “وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال 12 شهرا”، استنادا إلى فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية لسياسات إسرائيل وممارساتها في فلسطين المحتلة، ومع ذلك، فإن معظم القوى الغربية تجاهلت هذه الحقائق والقرارات وكأنها لم تكن، وظلت بشكل أو بآخر تدعم الإبادة والاحتلال. أما المظهر الثاني لهذا الابتعاد عن منطق القانون الدولي ومقتضياته، فيتمثل في استغلال وتوظيف المؤسسات الدولية الكبرى التي تتحكم فيها القوى الغربية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما ضد الدول التي لا تسير سيرها ولا تنهج نهجها، كما تشكل العقوبات الغربية المنفردة من خارج القانون الدولي وجها آخر لهذا الخروج، بالمخالفة للقانون الدولي الذي يتآكل ومعه جميع المبادئ والقيم التي ناضلت الإنسانية من أجلها عقودا من الزمان. ولذلك لا غرابة أن يجري حاليا استقطاب المزيد من الدول إلى مجموعة بريكس في محاولة لخلق نظام عالمي متعدد الأقطاب، يستعيد حيوية القانون الدولي، ويحد من نظام القواعد الغربي. فهل يقبل الغرب الجماعي بتقاسم قيادة النظام العالمي مع دول وقوى أخرى؟.
* كاتب وإعلامي بحريني