العدد 5827
الجمعة 27 سبتمبر 2024
banner
المسؤولية الاجتماعية للأفراد
الجمعة 27 سبتمبر 2024

تعاظم الحديث في العقود الأخيرة، ولاسيما مع مطلع الألفية الثالثة، لدى المفكرين والسياسيين وناشطي المجتمع المدني عن مفهوم المسؤولية الاجتماعية ومجالات تطبيقاتها المتعددة، وقد برزت مبادرات عديدة في مملكة البحرين تؤكد وعي جميع الأطراف المتداخلة بالمسؤولية الاجتماعية للأفراد والمؤسسات من أجل الحفاظ على التوازن ما بين الاقتصاد والنظام البيئي (أو النظام الإيكولوجي) والاجتماعي. وقد ركزت العديد من الدراسات والكتب على المسؤولية الاجتماعية للشركات منذ منتصف القرن الماضي، وذلك في سياق نشأة هذه النظرية غربيا، حيث انتشر النظام الرأسمالي وما ترتب عنه من استغلال فاحش لكل الموارد البشرية والطبيعية من أجل تحقيق أقصى مستويات الربح ولو على حساب النظام الاجتماعي والبيئي.

غير أن للأفراد، دورا عظيما في هذا الباب؛ لأن نظرية المسؤولية الاجتماعية هي نظرية أخلاقية في أساس نشأتها تضع على عاتق الجميع، منظمات أو أفرادا، العمل لمصلحة المجتمع ككل حفاظا على النظام الاقتصادي والنظام البيئي والنظام الاجتماعي. وتكون مسؤولية الأفراد مباشرة من خلال القيام بأفعال تحقق أهداف المجتمع أو بشكل غير مباشر بالامتناع عن المشاركة في الأفعال الضارة بالمجتمع والبيئة والاقتصاد. والوعي بمفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى الأفراد تحديدا مُهمة جسيمة، تتطلب تضافر الجهود، والعمل بإخلاص من أجل تربية الأفراد على هذا الواجب الأخلاقي والاجتماعي. لذا فإن دور الأسرة ثم المؤسسات التعليمية كبير جدا؛ لأن تنشئة الطفل صغيرا على مفاهيم المسؤولية الاجتماعية سيسهل عليه تبنيها والعمل بها كبيرا، خصوصا أن للمسؤولية الاجتماعية دوائر تبدأ من مسؤولية الفرد في نطاق الأسرة وتكبر معه تدريجيا حتى مسؤوليته في العالم. وتلعب وسائل الإعلام دورا رئيسا في التوعية بمفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى الأفراد؛ نظرا لانتشارها وقوة نفاذها إلى المتقبل، لاسيما من خلال الإشهار والومضات التوعوية والمسلسلات والبرامج الحوارية وغيرها من أشكال الإنتاج الإعلامي التقليدي والجديد. وقد تتجاوز وسائل الإعلام مجرد رصد أخبار المسؤولية الاجتماعية وتغطيتها إلى ابتكار مبادرات للحث والتشجيع على التنافس في هذا المجال، وخير مثال على ذلك مبادرة “البلاد” المتمثلة في “درع البلاد للمسؤولية الاجتماعية للشركات”.

والتي تتواصل بنجاح للعام الثالث على التوالي، ونرجو أن تحذو غيرها من المؤسسات حذوها وتبعث جوائز للمسؤولية الاجتماعية للمدارس مثلا أو للنوادي أو للأفراد في بيئة محددة.

لا شك أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية يتجاوز مجرد القيام بأعمال تطوعية أو مساعدة الآخرين بالتبرع بالمال.. إنها منهج حياة وسلوك بيئي واجتماعي واقتصادي مستمر ومتطور من الفرد والمؤسسة نحو المجتمع تتحقق معه المواطنة بمعناها الحقيقي، ويتحقق معها السلام البيئي والاجتماعي، لذا يعتبر كثيرون أن المسؤولية الاجتماعية هي الأساس الأخلاقي الذي تستند إليه المواطنة من أجل تحقيق تنمية مستدامة تضمن حقوق هذا الجيل وحقوق الأجيال القادمة.

كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .