لعلّ الحقيقة الوحيدة التي استقرّت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 هي أنّ وجه التاريخ قد تغيّر حين قرّرت الولايات المتحدة الأميركية تكوين تحالف دولي للقضاء على “الإرهاب”، بعد أن اتخذت من الهجوم بالطائرات المدنية على برجَيْ مركز التجارة العالمي في نيويورك، و(البنتاغون)، سببا لما صار يعرف بالحرب على “الإرهاب”. لكن ماذا جنت الولايات المتحدة الأميركية؟ وماذا جنى العالم العربي والإسلامي خصوصا من هذه الحرب العالمية على “الإرهاب”؟
لربّما استطاعت الولايات المتحدة الأميركية تحقيق بعض الانتصارات التكتيكية بالقضاء على بعض رموز تنظيم القاعدة (بن لادن) وغيره من قادة التنظيمات الإسلامية الجهادية (الملا عمر، الزرقاوي...) واعتقال بعضهم الآخر، غير أنّها فشلت في تحقيق أيٍّ من أهدافها الاستراتيجية في القضاء على “الإرهاب” والتنظيمات المتشدّدة ونشر الديمقراطية المزعومة على النموذج الأميركي. وإذْ أضعُ مصطلح الإرهاب بين ظفرين فلأنّ مفهومه في العلوم السياسية لم يستقرّ، بل لم يتمّ الاتفاق بين الدول والمنظمات الدولية بعد على التعريف المناسب للإرهاب من أصل 109 من التعريفات المتداولة. وحتى إنْ نظرنا إلى الإرهاب بالمفهوم الأميركي، فإنّه لم يتمّ القضاء عليه نهائيا، بل لربّما سمحت هذه الحرب المفتوحة على الإرهاب بأن يتمدّد في عدّة مناطق من أفريقيا وآسيا، وأن يُلقيَ بلهيبه على أوروبا في شكل عمليات تفجيرية في بعض مدنها، كما انشقت العديد من المجموعات عن التنظيم الأم في أفغانستان وتولّدت عنه وعن غيره تنظيمات أكثر تشدّدا وعنفا (جبهة النصرة، تنظيم الدولة في العراق والشام “داعش”...) والتي لا تزال إلى اليوم حاضرة هنا وهناك سواء في شكل خلايا نائمة تنتظر الفرص وتنتهزها، أو في شكل مجموعات ميدانية تنفّذ عمليّاتها في مناطق من غرب وشرق ووسط أفريقيا في الصحراء والساحل. بعد عقدين من هذه الحرب/ الخديعة دفعت الولايات المتحدة الأميركية تكلفة باهظة بلغت 7 تريليونات من الدولارات.
اعتمادا على الرقم الذي صرّح به الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فضلا عن الخسائر البشرية التي قُدّرت بمقتل 7700 جندي أميركي حول العالم في الجبهات الرئيسية لتلك الحرب، وفي النهاية انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان ولم تتوقّف أعمال العنف، ولم تنته طالبان، إنّما جلست معها على طاولة المفاوضات، حتى وصلت إلى الحكم.
ولم تكن ضريبة هذه الحرب باهظة الثمن على الولايات المتحدة فحسب، إنّما دفع العالم العربي والإسلامي ضريبة أقسى؛ فبعد سنتين من غزو أفغانستان، أعدّت الولايات المتحدة الأميركية ترسانة دولية من السلاح والقرارات الأممية لاجتياح العراق، ومنها بدأ مسلسل تحطم العالم العربي؛ فقد غدت العراق بعد تفكيكها أرضا صالحة لنمو الحركات المتطرفة تستفحل وتسقوي في المنطقة، ولم يعد طموحها مجرد ضرب المصالح الأميركية كما بدأت مع تنظيم القاعدة، إنما صارت تطمح إلى بناء دولة داخل الدولة: لقد أصبحت تطمح إلى الحكم.
إنّ جلّ التدخّلات الأميركيّة في أفغانستان والعراق وسوريا، وقبلها الصومال وفيتنام، لم تكن أكثر من مغامرة لاستعراض القوة ومحاولة لتغيير أنظمة الحكم في هذه البلدان، غير أنّ نتائجها لم تكن دوما كما اشتهت رياح من دبّر لها.