عندما تجد شخصا متسمرا أمام لوحة تشكيلية في معرض، أو قطعة نحتية أو حتى فيلم سينمائي أو مسرح أو لحن موسيقي، وتراه متجمدا وداخل عوالم لم يخضها من قبل، تأكد أنه أصبح أسيرا للفن أو الإبداع الذي أمامه، من خلال إطلاق العنان لقوى التخيل واللاوعي والولوج إلى مناطق تصفو فيها الحياة، فالنفس لها طاقة وحدود ثم تنتهي، أما سحر وجمال الفن فلا ينتهي عند حد.
لأن الفن بصورة عامة نتاج أحاسيس وعواطف ومشاعر سامية ارتقى بها ذوق الإنسان ولا يزال يرتقي عن طريقها، وهذا الرقي أو السمو لا يكون ما لم يؤثر عليه الفن، والسبب في ذلك أن غاية الفن في الحياة الإبداع والكشف واستشفاف كوامن الحق والجمال. أي جمال.. إذا ما توصلنا لمعرفة الحق وتذوق الجمال أحببنا الفن وسمت أفكارنا ومشاعرنا عن طريقه، فالفنان يسمو بفنه لإحساسه البالغ بالقيم الجمالية، فهو يشعرنا دائما وأبدا بأن هناك رابطة خفية تربطه بتحفته الفنية، فيسعى جاهدا لكشف تلك الناحية الجمالية التي تتناسب مع روحه وتتفاعل مع نفسه فيبرز لنا في لذة وحماس. فهو أثر علينا بسعيه الفني ودفعنا إلى التقدم والتسامي بالقيم، ونحن لا نعرف ما هي مسببات هذا التسامي والتقدم. لكن إذا ما تحرينا عن حقيقة هذه المسببات وجدناها تنحصر في كلمة واحدة هي كلمة "الفن"، ذلك أن تأثير الفن فينا هو التأثير على الناحية اللاشعورية، وقد أثبتت الفنون أن الاستجابة والتفهم عن طريقها أسرع وأفضل بكثير من قراءة الكتب التي تبحث في القيم الجمالية والروحية والخلقية.
من تسنح له الفرصة بزيارة متحف اللوفر في أبوظبي، سيقف أمام الأعمال واللوحات الفنية، وسيعرف الحقائق المتعلقة بقلبه وصدق التفكير وصدق التعبير، فليس هناك أعظم من الفن، كيف لا والإنسان لم تخلق له عينان إلا ليرى الفن بهما.