يقول الفيلسوف هيدجر: “إن الطبيعة فرقت الشعوب بعضها عن بعض، ليس بواسطة الغابات والجبال والبحار والصحاري فحسب، بل فرقتها أيضا بواسطة اللغة. إن اللغة القومية بمنزلة الوعاء الذي تتشكل فيه أفكار الشعب وتنتقل بواسطته، واللغة هي التي تخلق العقل أو على الأقل تؤثر في التفكير تأثيرا عميقا وتوجهه توجيها خاصا. إن قلب الشعب ينبض في لغته، وروحه تكمن في لغة الآباء والأجداد”.
ويقول ماكس نوردن: “إن الفرد يندمج في المجتمع باللغة وباللغة وحدها، وباللغة يصبح عضوا في الشعب الذي يتكلمها، وباللغة نتلقى تراث الأمة الفكري والشعوري والأخلاقي والاجتماعي المنحدر من قرائح الكتاب والشعراء والمفكرين السابقين منهم والحاضرين، وباللغة تدفع أفكارنا إلى الأجيال القادمة”.
اليوم وبكل أسف لا نرى اهتماما بالحياة اللغوية العربية في مجتمعنا الذي قطعت أوصاله اللغة الإنجليزية بشكل مخيف، إلى درجة أن بعض الشركات والمؤسسات تنشر رسائلها وبياناتها ومعلوماتها باللغة الإنجليزية، وكأنها تخاطب أجانب فقط، والأدهى أنها تطلب ملء استمارة الخدمة أو تقديم الطلب باللغة الإنجليزية، وربما غدا تدخل على الخط اللغة الإسبانية أو الإيطالية أو الصينية.
منطق الواقع والحقيقة يقر بأن العربية لغتنا ودعامة فكرنا، ومن غير اللائق استبدالها بلغة أجنبية في المعاملات المكتبية اليومية، والإصرار على أنها ظاهرة اجتماعية تعكس تطورنا وتزيد حركتنا. بل العكس.. هذه ظاهرة ثقافية خطيرة لابد من علاج سريع لها يعيد للغتنا العربية الاعتزاز والتقدير، يكفي أن نسبة كبيرة من الناشئة اليوم أداروا وجوههم عن العربية وانخرطوا في زحمة الإشادة بالإنجليزية وأصبحوا يتكلمون بها في المنزل، وباتوا غرباء وبمباركة من الأهل، وهذا ما يملأ القلب حزنا ويغمر النفس ألما.
كاتب بحريني