أعجبني ما كتبه الناقد المسرحي يوسف الحمدان في وصفه كتابه الجديد “صرخات في وجه النقد المميت” الذي أصدره مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، ونتشوق جدا لقراءته نظرا لأهميته.
فكما فهمت من الوصف أن الحمدان يريد أن يكون هناك النقد الواعي السليم الذي يضع كل شيء في نصابه فيظهره على حقيقته، وهذه هي المشكلة الرئيسية التي تواجه مسرحنا العربي اليوم، ففي غياب هذا النقد لابد أن تعتل صحة المسرح رغم وجود جميع مقومات الصحة الجيدة. بمعنى.. أن النقد الذي نحتاجه، كما يحتاجه كل الناس في كل عصر ومكان، هو النقد الفني، وإن شئنا الدقة النقد التكنيكي.
أما أن نستخدم كلمة النقد ذريعة للترويج لما نؤمن به، وأن نتخذ من الأعمال الفنية منطلقا لإثبات أو دحض آراء وأفكار نؤمن بها أو لا نؤمن، فذلك شيء آخر، قد يكون مطلوبا في حد ذاته، وقد يكون مفيدا في حد ذاته، لكنه قطعا ليس ما نعنيه حين نذكر كلمة النقد.
ما يتميز به الحمدان هو قول الحقيقة والإمساك بالمسطرة ليقيس بها كل شيء، فهو لا يقبل غير الدراسة الأدبية الجادة في عالم يخضع لقيم تجارية. يقول: “وقفت على مشكلات كثيرة في حيز النقد المسرحي، وشكلت ظاهرة حقيقية، سلبية طبعا بكل المعايير في مسرحنا العربي، ما حفز لدي هذه الصرخات المتتالية التي تدين النقد المميت”. كما أن هذا الكتاب يدين ويرفض الاستسهال والتسطيح عند التصدي للكتابة النقدية أو البحثية، حيث وقع كثير من “النقاد” أو “المتنأقدين” في هذا المشكل بسبب ضآلة الوعي وتوقف قراءاتهم عند منطقة عفى عليها الدهر وشرب دون محاولة منهم لمراجعة هذه القراءات أو البحث عن قراءات جديدة مشاكسة من شأنها أن تذهب بالنقد المسرحي نحو مناطق الخلق والمغايرة والتأسيس.
الحمدان يقول لنا في كتابه إن الداء الذي أصيب به النقد المسرحي ليس داء القصور، إنما داء التقصير.