أقل من ثمانية أسابيع تفصل الولايات المتحدة الأميركية والعالم، عن الانتخابات الرئاسية، والتي ستجري في الخامس من نوفمبر المقبل. يتساءل ملايين الأميركيين: “هل لا تزال هناك فرصة حقيقية لأن يعود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مرة جديدة إلى البيت الأبيض؟ قبل الجواب ربما ينبغي أن نشير إلى أمر بات معروفا ومفروغا منه، وهو أن هذه الانتخابات، تكاد تكون جولة ثانية من منافسة حادة بين ترامب وبايدن، ومن ثم بين ترامب وخليفة بايدن كامالا هاريس. الأمر الآخر هو أنها تجري برسم الصراع العرقي والدوجمائي، الطبقي والمجتمعي، قبل أن تدور دوائرها في أطر سياسية تقليدية بين الجمهوريين والديمقراطيين. الشأن الثالث، هو أن منسوب العنف الذي يتهددها، لم يسبق وأن وجد على صعيد أية انتخابات رئاسية سابقة. هل المقصود هنا بالفعل هو قطع الطريق على الرئيس السابق ترامب، ومنعه من العودة إلى البيت الأبيض مرة جديدة؟
هناك ولا شك من يخشى أن تكون هذه العودة طريقا للانتقام، لاسيما من أولئك الذين يعتبرهم ملايين من أنصار ترامب قاموا بتزييف وتزوير نتيجة الانتخابات الرئاسية السابقة 2020، ولهذا تبدو هناك أحاديث جانبية تدور في أوساط الديمقراطيين تستهدف قطع الطريق على عودة ترامب إلى البيت الأبيض مرة جديدة، حتى لو فاز بالأصوات الشعبية، وبأصوات المندوبين دفعة واحدة. لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ بحسب المادة الثالثة من التعديل الرابع عشر من الدستور الأميركي، فإن أي مسؤول، أقسم اليمين محافظا على دستور الوطن وسلامة أراضيه، وتاليا حنث بهذا الوعد، فإنه يحرم تلقائيا تاليا من تولي أي منصب. الديمقراطيون يرون أن ترامب فعلها، وذلك في السادس من يناير 2021، حين حاول تعطيل الكونجرس عن مسعاه لتثبيت فوز منافسه بايدن بالرئاسة، وعلى هذا الأساس، فإنه لا يحق له الترشح لمنصب الرئاسة من جديد. هل هذا سيناريو قابل للتطبيق الفعلي على الأرض؟ غالب الظن أنه سيناريو كارثي، يمكن أن يقود الولايات المتحدة إلى حالة من الحرب الأهلية لا شك في ذلك.
وهو ما يتحسب له الجمهوريون المدججون بالسلاح، وقد بلغت الهواجس حد وجود استعدادات في المؤسسة العسكرية الأميركية لمقابلة هذا السيناريو الذي يبدو غريبا اليوم، لكنها أميركا التي يحدث فيها كل غريب وعجيب.
فيما الأمر الآخر، والذي لم يعد سرا، هو أن صحوة قوية تلف حملة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، سواء على صعيد الأصوات الشعبية، أو الولايات المتأرجحة، والتي تحرز فيها تقدما يوما تلو الآخر، ناهيك عن التبرعات الهائلة التي تعد بالملايين وتتدفق عليها صباحا مساء كل يوم، وبشكل يستدعي علامات من التعجب.
في هذه الأثناء تبدو حملة ترامب وكأنها تتراجع، والرهان على من أطلق عليهم “أنبياء ترامب” أي أولئك الذين يرون فيه صاحب دور رسائلي سماوي لاسيما بعد نجاته من محاولة الاغتيال، لم يعد يجدي.
لقد انطلقت حملة هاريس بقوة، لكن لا يزال ترامب يتمتع بميزة واحدة، يمكنها أن تقوده ثانية إلى البيت الأبيض.. ماذا عن تلك الميزة؟ الجواب عند البروفيسور الأميركي “ليستر مونسون”، والذي شغل بالفعل مناصب عالية في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، إذ يرى أن ترامب لا يزال يتمتع بميزة كاملة قد تكون مفيدة في النهاية، ففي العديد من القضايا الرئيسية، لا يزال يتفوق على هاريس في استطلاعات الرأي: الاقتصاد، الهجرة، التضخم.
ومع فوز هاريس بمسابقة الأصوات الإيقاعية، يحتاج ترامب إلى إحداث اختراق بين الناخبين في هذه المسائل المتعلقة بالسياسة العامة، وسوف تتاح الفرصة لترامب للقيام بذلك في المناظرة الرئاسية الأولى في العاشر من سبتمبر الجاري.
ولإعادة صياغة السباق الانتخابي لصالحه، سيتعين على بايدن أن يُظهر كيف أن هاريس غيرت موقفها بشأن الهجرة والطاقة. ففي مقابلتها الإعلامية الوحيدة منذ أصبحت مرشحة الحزب الديمقراطي لمنصب الرئاسة، على سبيل المثال، قالت هاريس إنها لم تعد تدعم حظر التكسير الهيدروليكي، الذي دعمته في عام 2019. هل يستطيع ترامب أن ينجح في ذلك؟
حتى الآن، لم يظهر ترامب الانضباط اللازم لجعل هذا السباق سياسيا. ويبدو أنه أكثر اهتماما بالمنافسة على جبهة المؤثرات الصوتية، ومناقشة من هو الأكثر وسامة (هاريس أم هو نفسه) ومن يجتذب أكبر عدد من الجماهير إلى خطاباته.
كبح جماح ترامب لنفسه.. مفتاح فوزه.
*كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية