العدد 5797
الأربعاء 28 أغسطس 2024
banner
روبرت كيندي ولطمة للديمقراطيين
الأربعاء 28 أغسطس 2024

هل تلقى الديمقراطيون الأيام القليلة الماضية لطمة قاسية، وقبل أسابيع معدودات من الخامس من نوفمبر موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ غالب الظن أن هذا ما جرت به المقادير بالفعل، سواء كان الأمر مصادفة قدرية أم موضوعية. خلال العام الماضي، طل بوجهه أحد كبار أحفاد عائلة كيندي الديمقراطية الشهيرة، روبرت كيندي جونيور، ابن روبرت كيندي المدعي العام الأميركي، والذي اغتيل بعد اغتيال أخيه الرئيس جون فيتزجيرالد كيندي. ربما حاول روبرت جونيور الترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي، لكنه أخفق في اختراق صفوف حزبه الذي انتمت إليه عائلته، وعلى هذا الأساس قرر الترشح مستقلا.
ربما لم ينشغل الشعب الأميركي بقصة أسرة أميركية كما ملأت تلك العائلة حياته، عبر انتصاراتها القليلة، وانكساراتها الكثيرة، تلك التي بلغت حد المآسي، ما جعل البعض يطلق وصف “اللعنة” على ما جرى لها عبر ستة عقود. وكذلك لم تعرف ولاية ماساتشوستس الأميركية، شهرة لعائلة أخرى، قدر تلك العائلة ذات الجذور الأيرلندية، والتي نجحت عبر عقود طوال في خلق هالة في المجتمع الأميركي، ربطت بينها وبين عوام الشعب، وليس الطبقة الأرستقراطية فحسب، إلى الدرجة التي جعلت أحزان تلك العائلة بمثابة نوازل شخصية بكل أسرة أميركية. اعتبرت عائلة كينيدي، التجسيد الحي، لفكرة الحلم الأميركي، أي إمكانية تحقيق الثروة، وهو ما حققه الأب، ثم السلطة والنفوذ، الأمر الذي تجلى في وصول جون الابن الثاني لمقعد الرئاسة الأميركية، ووصول أخيه روبرت إلى منصب المدعي العام، قبل أن ينعق البوم فوق رأس العائلة ليلقيا حتفهما غيلة وغدرا. كانت أسرة كيندي منذ ثلاثينات القرن المنصرم رمزا للسعي الأميركي لتحقيق الأفضل، كما انشغلت العائلة على مدى عقود طوال في مجابهة أربعة مثالب، رأت أنها تسلب الأسرة الأميركية حقها في البهجة والسعادة وتحقيق الذات: “الفقر، الطغيان، المرض، والحرب”. قبل بضعة أيام أعلن روبرت جونيور انسحابه من سباق الانتخابات، غير أنه كان انسحابا مدويا، سيما أنه وجه لطمات قاسية للحزب الديمقراطي في صورته الحالية.
في كلمته التي أعلن فيها انسحابه، أشار روبرت جونيور إلى قلقه الشديد من الطريقة التي يدير بها الحزب الديمقراطي شؤونه الداخلية، والكيفية التي يرشح بها مرشحيه.
هل كان روبرت جونيور يقصد الطريقة التي تسلقت بها كامالا هاريس درب الصعود إلى الترشح للرئاسة؟
حكما انها لم تمض عبر درب الانتخابات التمهيدية، بل تم اختيارها بطريقة مدبرة ماورائية تقودها جماعة اليسار الديمقراطي المتشدد، بقيادة باراك أوباما.
هذه الطريقة التي تم من خلالها ترفيع هاريس، حكما كانت مخالفة لقواعد الترشح الحزبية المعمول بها، عطفا على أن الكثير من أركان الحزب غير راضين عن هذا النهج.
جونيور أكد، وله في الحق ألف حق، أنه قلق من لجوء الحزب إلى أدوات الرقابة والسيطرة على وسائل الإعلام من جانب الديمقراطيين، وخوفه الأكثر من الطريقة التي تتسلح بها الوكالات الفيدرالية. لم يوفر سليل آل كيندي بايدن وإدارته من اتهامات التواطؤ مع شركات الإعلام لتحقيق أجندات سرية، تخدم جماعته الخلفية، أو إجبار تلك الشركات على فرض الرقابة على الخطاب السياسي. 
يرى روبرت جونيور أن ما يجري في الداخل الأميركي الوقت الراهن، يشكل هجوما على حق المواطنين الأميركيين الأكثر قدسية في حرية التعبير، وهو الحق الذي تستند إليه جميع الحقوق الدستورية للشعب الأميركي.
لم يتوقف جونيور عند حد الانتقاد لأوضاع الحزب الحالية، بل تجاوز ذلك بالإعلان رسميا عن الانضمام لحملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
لم يكن الأخير الأقل كرما في رد الجميل، فقد وعد ناخبيه في آخر تجمع انتخابي بأنه حال وصوله إلى البيت الأبيض سوف يكشف عن الأسرار الكاملة والكامنة في أضابير الدولة الأميركية العميقة التي تخص أسرار اغتيال جون كيندي وأخيه روبرت كيندي.
إلى أي حد ومد يمكن أن يكون موقف روبرت جونيور الأخير مؤثرا بالسلب على حملة كامالا هاريس؟
هذا ما سيتضح في قادم الأيام، وإن كان من المؤكد أن دوي الحدث سوف يصيب الكثير من الديمقراطيين بأذى بالغ ومنهم هاريس بل في مقدمهم.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .