يبدو أن العالم على موعد مع سباق تسلح مثير جديد، سباق يتجاوز البر والبحر والجو، إلى الفضاء خارج الكرة الأرضية. حتى منتصف القرن العشرين، جرى العرف بالقول إن من يسيطر على البحار هو من ستكون له المقدرة على قيادة وريادة العالم.
غير أنه ومنذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، وبالتحديد في عام 1983، تغيرت هذه النظرة، وبدا أن من يبسط هيمنته في الفضاء الخارجي هو من سيطلق صيحة النصر في القرن العشرين، وربما ما يليه من قرون. في ذلك الوقت، كانت الحرب الباردة على أشدها، فيما درج الرئيس الأميركي في ذلك الوقت، رونالد ريغان، على تسمية الاتحاد السوفييتي، امبراطورية الشر.
تفتقت عبقرية المجمع الصناعي العسكري الأميركي في ذلك الوقت عن فكرة تسليح الفضاء، والتي عرفت بحرب النجوم أو الكواكب، وهي باختصار غير مخل، تتمثل فيما يمكن أن نطلق عليه تغليف الولايات المتحدة بغلاف من الصواريخ النووية، وأسلحة الليزر المتقدمة، الموضوعة في الفضاء، بهدف قطع الطريق على أي مقذوف سوفييتي يمكن أن يطال الأراضي الأميركية، غير أن تفكك الاتحاد السوفييتي، أو تفخيخه من قبل الناتو لاحقا، دعا لإهمال هذا المشروع. مؤخرا وخلال ولاية الرئيس دونالد ترامب، بدأت العودة من جديد للعزف على أوتار هذا الملف، لكن مع تغير جوهري تمثل في تغيير اللاعب الرئيس المنافس لواشنطن، فقد حلت بكين محل موسكو. في الأيام القليلة الماضية، خرج علينا في الأسواق الفكرية الأميركية مؤلف جديد عنوانه “القمر الأحمر يرتفع.. كيف ستهزم أميركا الصين في ريادة السفر إلى الفضاء”. الكتاب الجديد من تأليف جريج أوتري، وبيتر نافارو، والأول كان عضوا في فريق مراجعة وكالة ناسا لإدارة ترامب في عام 2016، كما عمل أيضا حلقة وصل مؤقتة مع البيت الأبيض في وكالة ناسا في عام 2017، فيما الثاني عمل لصالح إدارة ترامب بما في ذلك مدير سياسة التجارة والتصنيع. لماذا يكتسي هذا العمل الفكري الجديد أهمية كبرى في الداخل الأميركي هذه الأيام؟.
ليس سرا القول إن الصين باتت تقفز بخطوات واسعة جدا في طريقها إلى الفضاء الخارجي، وقد كانت رحلتها الأخيرة إلى الجزء المعتم من القمر، سبقا جعل الأميركيين يعيدون الصيحة المثيرة “نحن أمة في خطر”. هل من أمر بعينه تغير في هذه الآونة عن السباق الفضائي الذي جرت به المقادير في أواخر القرن الماضي؟
نعم يبدو المشهد مغايرا جدا، إذ تمتد المنافسة إلى ما هو أبعد من مجرد المكانة المتمثلة في كون المرء أول من يصل إلى وجهة معينة أو يثبت تفوقه الآيديولوجي، فهي تشمل الآن مصالح اقتصادية وعسكرية ملموسة، وفوق كل شيء، فإن ما يميز هذا السباق عن السباق الأول هو أن القطاع الخاص سيحدد النتيجة هذه المرة.
هل تعني هذه الكلمات الأخيرة مخاوف كبرى لبشريتنا المعاصرة؟
غالب الظن أن ذلك كذلك، بمعنى أنه حين يمعن المرء النظر في “الفتى العبقري” إيلون ماسك، وشركاته الأكثر إثارة، تلك التي تعمل من عند السيارات الكهربائية، وصولا إلى الصواريخ الفضائية، يدرك أن نظراءه في روسيا والصين، في فرنسا وألمانيا، في سنغافورة والهند، لن يتوانوا عن الدخول معه في سباق يتجاوز القمر الأبيض الجميل إلى القمر الأحمر، أي المريخ، ذاك الذي يحلم ماسك أن يقيم فوقه مستعمرات بشرية عما قريب.
الكتاب الأخير في واقع الأمر، بمثابة جرس إنذار وتذكير بأهمية استكشاف الفضاء، ليس فقط من أجل الرفاه الاقتصادي للولايات المتحدة، بل أيضا من أجل أمنها القومي.
وفقا للمؤلفين فإن هبوط الإنسان على القمر في العشرين من يوليو 1969، كان إنجازا رائعا، لكن لم يكن من الممكن أن يتحقق لولا المنافسة الشرسة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة.
هل هناك ما يخيف الأميركيين اليوم من صعود الصين للفضاء والشراكة الروسية - الصينية، والتي قد تمتد إلى تنسيق مشروعات فضائية بينهما؟
يزعم المؤلفان أنه بعد فوز الولايات المتحدة في أول سباق فضائي، كان هناك غياب تام للأهداف الواضحة في سياسة الفضاء الأميركية المعلنة. هل يأتي هذا الكتاب ليضع عبئا ثقيلا على كاهلي الرئيس الأميركي القادم، سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا؟
المقطوع به أن مفهوم الأمن القومي بات يتماس مع كل شيء في عالمنا المعاصر، والفضاء في مقدمة تلك الاهتمامات والأولويات.
كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية