العدد 5783
الأربعاء 14 أغسطس 2024
banner
القوى الكبرى والحروب غير النظامية
الأربعاء 14 أغسطس 2024

منذ أن وجدت البشرية على سطح الكرة الأرضية، عرفت الإنسانية طريقها إلى الصراع والقتال، ومحاولة عزل الآخر ونفيه أدبيا أول الأمر، وماديا تاليا. على أن علامة الاستفهام المثيرة: “هل تغير وسيتغير شكل الحروب في العقود القادمة، وبما يوسع دوائر الاشتباك وبطريقة غير تقليدية، أي على خلاف ما جرى على الأقل في المئة عام الماضية، حيث شهد العالم حربين كونيتين كبيرتين راح ضحيتهما ملايين الضحايا؟ ذات مرة في منتصف القرن العشرين، وبعد أن عرفت البشرية طريقها إلى القنبلة النووية، سأل أحدهم العالم الأميركي الكبير ألبرت آينشتاين: “كيف ستكون الحرب العالمية الثالثة؟ كان جواب صاحب النسبية الكبير: “ما أعرفه هو أن الحرب العالمية الرابعة، ستخاض بالعصي والأحجار”، في إشارة لا تخطئها العين للدمار الذي يمكن أن يلحق بالكرة الأرضية جراء استخدام أسلحة الدمار الشامل. 
تبدو الحروب النظامية أو المتماثلة أمرا معروفا وموصوفا، وربما مألوفا أيضا، غير أن السؤال الذي نجم عن تطور تقنيات الحروب والتكنولوجيا الحديثة، ناهيك عن معطيات الذكاء الاصطناعي وما جلبته على البشرية من وبال في هذه الجزئية تحديدا هو: “ماذا عن الحروب غير المتكافئة التي قد تجد الدول الكبرى نفسها في مواجهتها في الحال أو الاستقبال؟ لعل جماعة الحوثي المتمردة في اليمن تعد أحد الأمثلة على هذه المعضلة، وهو ما تناولته مجلة “بوليتيكو” الأميركية ذائعة الصيت في تقرير مطول لها مؤخرا، معتبرة أن المواجهة مع الحوثي باتت أمرا مرهقا للولايات المتحدة، وتكبدها الكثير من الأكلاف العالية والغالية. منذ أن انطلقت العملية العسكرية المعروفة باسم “حارس الرخاء”، أطلقت واشنطن نحو 800 صاروخ على الحوثيين، عطفا على سبع جولات من الضربات الجوية المكثفة. وبمزيد من التفصيل، تم إطلاق نحو 135 صاروخا توماهوك، تصل تكلفة الواحد نحو مليوني دولار، و155 صاروخا من أنواع أخرى استراتيجية متقدمة، تقارب تكلفة الصاروخ نحو 4 ملايين دولار. 

ليس هذا فحسب بل إن الطائرات المحمولة جوا على متن حاملة الطائرات الأميركية أيزنهاور، قد أطلق من خلالها نحو 60 صاروخا من طراز جو – جو، و420 صاروخ أرض – أرض. 
هنا المثير والخطير في ذات الوقت أن المواجهة مع الحوثي، والتي يمكن أن تستمر لوقت طويل، لا يبدو أنها ستنتهي في الأجل القريب، بل ستمتد إلى أجل غير معلوم، والعهدة هنا على الراوي، الجنرال جورج ويكوف، قائد القيادة المركزية للقوات البحرية.
الملهاة والمأساة في الحروب غير النظامية، كما الحال مع مواجهة متمردي الحوثي، هي استنزاف قدرات القوى الكبرى، ماليا وعسكريا، في مواجهة جماعات إرهابية تكلف الكبار عشرات مليارات الدولارات، كما الحال مع الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يؤكده “مايك والتر” النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا.
هل يمكن أن يتصور أحدهم أن طائرة مسيرة حوثية، لا يزيد ثمنها عن ألفي دولار، تكبد البحرية الأميركية صاروخا يتراوح سعره ما بين 2 و4 ملايين دولار.
يدرك الأميركيون اليوم أن المواجهة مع الحوثي في البحر الأحمر باتت ترهق موازنة وزارة الدفاع “البنتاغون” التي بدأت طلب دعم مالي مضاعف لمواجهة التحديات الجديدة، حيث تكثف هذه الجماعة ضرباتها للسفن التي تمر من هناك، مدنية كانت أم عسكرية. 
هذه الضربات باتت تستدعي المزيد من نشر قطع البحرية الأميركية المتقدمة، الأمر الذي سيترك أثرا سلبيا كبيرا على خطط انتشار القوات البحرية حول العالم. فيما الأمر الآخر والأكثر خطورة على قوة عظمى مثل الولايات المتحدة أن القذائف والمؤن، لاسيما الصواريخ دقيقة التوجيه، والتي تستخدمها البحرية الأميركية ضد الحوثي وقواربه ومواقعه، هي في الأصل الأسلحة المعدة لأية مواجهة قادمة مع الصين في بحر الصين الجنوبي، أو حال القارعة في تايوان.
هنا تبدو تكلفة الجاهزية الأميركية أكثر فداحة، وعليه بات الحديث الآن عن أدوات أخرى للمواجهة، وبنفس طريقة التفكير غير النظامية للخلاص من فخ المواجهة هذه. 
 هل يعني ذلك أن منطقة البحر الأحمر مرشحة للمزيد من المواجهات المسلحة؟
غالب الظن أن ذلك كذلك، طالما الإشكالية الأساسية والرئيسة مع إيران قائمة لا تزال.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية