هل بات طريق كامالا هاريس معبدا إلى البيت الأبيض؟ علامة استفهام تتصاعد في الداخل الأميركي، لاسيما بعد استطلاعات الرأي التي طفت على السطح نهاية الشهر الماضي، وحصلت فيها على 45 % من أصوات المستجيبين، مقارنة بـ 41 % لصالح دونالد ترامب. لم يعد سرا القول إن حملة هاريس اكتسبت زخما بعد إعلان جو بايدن انسحابه من سباق الرئاسة، ولم يعد خافيا على أحد أن هناك تنسيقا ديمقراطيا على أعلى مستوى، تجري به المقادير، بهدف ترفيع هاريس إلى المقام الأميركي العالي. وجدت هاريس بالفعل من يرى فيها خيارا أفضل من ترامب، لاسيما بين من يمكننا تسميتهم بـ “الناخبين الهوياتيين”، أي أولئك الذين يصوتون برسم عرقي أو عقدي، اجتماعي أو فئوي، لاسيما بين أبناء الطبقة المتوسطة والمهاجرين من أصول لاتينية، وربما الناقمين على ترامب من اليسار المتطرف، ذاك الذي يحمل شعلته باراك أوباما.
في الوقت ذاته، يبدو وكأن حملة دونالد ترامب قد خفت حضورها، وفقدت بريقها، حتى قصة محاولة اغتياله لم يعد لها الحضور الكبير الفاعل، رغم محاولته العزف عليها، واعتبار الأمر كإشارة من السماء للدور المنوط به، في مقاربة مع نجاة رونالد ريغان من رصاصات العاشق “جون هينكلي”، ودوره الأكيد في هزيمة الاتحاد السوفييتي وتفخيخ التيار الشيوعي من داخله. لكن وعلى الرغم من كل ذلك، ربما تجري المقادير خلال الشهرين المتبقيين، حتى الوصول إلى الخامس من نوفمبر، بتطورات تغير الأوضاع وتبدل الطباع. الذين لهم دالة على الدورات الانتخابية الرئاسية يعرفون معنى تعبير “مفاجأة أكتوبر”، حيث عادة ما تقع أحداث سياسية أو عسكرية، تقلب التوازنات الانتخابية، بحيث يوفي الحظ لمرشح ويخلف الآخر. لكن ماذا لو لم نر مثل تلك المفاجآت؟ حكما ستكون المقاربة بين هاريس وترامب على أسس شخصية أكثر من أية معايير أخرى للمفاضلة بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي، من جهة، فيما يشتد السباق حول الولايات المتأرجحة من جانب آخر، لاسيما ميتشيغان وأريزونا وويسكونسن، جورجيا وبنسلفانيا، حيث الأصوات التي لم تحدد موقفا واضحا لجهة أي من المرشحين.
وفي الطريق إلى حسم مصير هذه الولايات، تتبقى اللقاءات المتلفزة، والمناظرات، الطريق الفاعل أمام الأميركيين لوضع علامات نهائية في طريق اختياراتهم القادمة حكما.
هنا يعن لنا أن نتساءل: “هل كان للقاء هاريس الأخير عبر شبكة CNN الإخبارية الأميركية، تأثير فاعل في تغيير دفة الأحداث لصالحها بشكل قاطع؟
باختصار القول، من الواضح أن هاريس تفتقد حالة الكاريزما الشخصية، وهذه منحة ربانية عادة، لا دخل للفرد كثيرا فيها، حتى ولو سعى إلى تنميتها.
في الحوار الذي أجرته المذيعة “دانا باش”، والتي شاركت في استضافة المناظرة القاتلة لبايدن مع ترامب، بدت هاريس باهتة من غير لون، منطفية بدون أسباب، حتى إن اصطحبت معها المرشح ليكون نائبا، حاكم ولاية مينيسوتا “تيم والز”.
لم تقدم هاريس في الحوار جديدا، ولم يقدر لها أن تخلق مجالا مغناطيسا شعبويا جاذبا بصورة أو بأخرى، بل على العكس بدت متراجعة عن خيارات سابقة وأفكار آمنت بها سلفا، وظهرت وكأنها مبعوث للاشتراكيين في بلد رأسمالي، الأمر الذي ستترتب عليه ولاشك تبعات واضحة في قادم الأيام.
سياسيا حاولت الغزل على أوتار الجماعات الداعمة لدولة إسرائيل داخل الولايات المتحدة، من خلال تأكيد دعمها تسليح إسرائيل، وحق تل أبيب في الدفاع عن نفسها، ومن جهة ثانية وكي لا تخسر أصوات الجاليات العربية والإسلامية في الداخل الأميركي، عرجت على الجانب الفلسطيني معتبرة أن الكثير من الأبرياء يسقطون ضحية الصراع.
تفتقد هاريس حكما قدرات ترامب السياسية من جهة، أما المجال الذي يفوقها فيه كثيرا جدا، هو عالم الاقتصاد، وعليه فإنه من غير الوارد أن تقنع الناخبين المترددين بحفنة من البرامج الدعائية المالية، في حين يدرك القاصي والداني أن ترامب هو رجل عقد الصفقات والماهر في هذا الإطار بصورة منقطعة النظير.
لم يقسم ترامب الأمة الأميركية كما ادعت هاريس في حوارها الأخير، بل حكما توجهات الديمقراطيين المنفلتة هي التي عمقت الخلافات بين الأميركيين أنفسهم.
حظوظ هاريس ربما تحددها بقوة المناظرة القادمة مع ترامب في العاشر من سبتمبر القادم على شبكة ABC وحتى ذلك الوقت دعونا ننتظر ونرى.
كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية