في عام 1982 عندما كانت جميع الفصائل الفلسطينية محاصرة في بيروت أثناء الغزو الإسرائيلي لها، واشتد الحصار عليها وتم تدمير مقرات جميع الفصائل الفلسطينية، انسحبت هذه الفصائل بقيادة ياسر عرفات والقيادات الفلسطينية التي كان لها شأن في قيادة النضال الفلسطيني حقنا للدماء وحفاظا على سلامة وأمن الشعبين الفلسطيني واللبناني، وتم وقف الحرب عندما وافق رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية المحاصرة في نهاية المطاف على إخلاء لبنان والانسحاب بموجب اتفاقية بوساطة أميركية دخلت حيز التنفيذ في 19 أغسطس 1982، فغادر تحت حماية قوة متعدّدة الجنسيّات من الجنود الفرنسيّين والإيطاليّين والأميركيّين مع نحو 14,000 من مقاتلي المنظمة من بيروت إلى تونس وبلدان عربية أخرى.
واليوم رغم الجهود الدولية والإقليمية التي تبذل لإيقاف حرب غزة حتى وصلت تلك الجهود إلى إصدار قرار من مجلس الأمن لإيقاف الحرب، ورغم ارتفاع عدد الضحايا إلى أكثر من أربعين ألفا من شعب غزة، ورغم أن هذه الحرب الضروس لا تزال مشتعلة وامتدت حتى إلى الضفة الغربية وفي كل ساعة تطالعنا الأخبار عن استشهاد مئات الضحايا أغلبهم من الأطفال وكبار السن والنساء الذين لا حول ولا قوة لهم، والمجتمع الدولي يتفرج على كل ما يجري، رغم كل ذلك تأبى حماس إلا أن تستمر هذه الحرب مهما كانت نتائجها وتظهر نفسها أنها حققت انتصارا تاريخيا على إسرائيل.
وعندما نقارن بين الأمس واليوم نرى أن حماس التي تبنت هذه الحرب في السابع من أكتوبر 2023 باسم الجهاد تتلذذ عل جثث المدنيين من شعب غزة الذين لا حول لهم ولا قوة بسبب المحرقة التي تنفذها إسرائيل ولا تتجرأ حركة حماس على اتخاذ قرار شجاع بالانسحاب من غزة حتى لا تعطي إسرائيل ذريعة بوقف الحرب، نجدها عكس ذلك، فهي تلعب بورقة مجموعة قليلة من المحتجزين الإسرائيليين مقابل وقف الحرب، بينما أكثر من أربعين ألفا من شعب غزة الأعزل سقطوا شهداء لأن قرار إيقاف الحرب يبدو أنه أصبح ليس بيدها، إنما بيد حليفها النظام الإيراني الذي أصبحت تقاتل تحت إمرته وهو يحضّ على استمرار هذه الحرب في المنطقة دون تورط فيها بشكل كلي بهدف استثمارها في الداخل لتخفيف الضغوط وتشتيت الانتباه عن قضايا المعارضة والانتفاضة التي يقوم بها الشعب الإيراني. وقال مسؤولون إيرانيون إن النظام مستفيد من حرب غزة التي تتيح تعزيز الهيمنة على دول في المنطقة والإيحاء بالقيام بأدوار مهمة حول العالم، وممارسة المزيد من القمع بحق الإيرانيين ومنع تكرار انتفاضة العام الماضي.
وكشف عضو البرلمان الإيراني حميد رضا حاجي بابائي أن الهدف الحقيقي من حرب غزة هو عرقلة انتفاضة الشعب الإيراني وقمع القوى المنتفضة في الداخل، والسير على نهج الأربعين سنة الماضية التي غلب عليها توظيف الأزمات الخارجية وإثارة الحروب في المنطقة لتجاوز العديد من الأزمات الداخلية والتغلب عليها.
وتتضح من هذه النوعية من التصريحات لممثلي محافظات ومستشارين سياسيين ودينيين في المكتب السياسي العقائدي للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي سيطرة تصور مفاده ضرورة إبقاء المنطقة مضطربة وإبراز إيران كقوة إقليمية وربما عالمية لجعل المنتقدين والمعارضين في الداخل يظهرون كمن يخونون القوة التي تحمي المسلمين وتدافع عن قضاياهم.
وخلافا لما روجه قادة إيرانيون وما أكده الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله بشأن عدم علم إيران المُسبق بتوقيت عملية طوفان الأقصى، أكد الملا سعيدي رئيس المكتب السياسي العقائدي للمرشد الأعلى في خطاب بثته قناة “باران” الرسمية الإيرانية في الثامن عشر من نوفمبر الماضي مسؤولية النظام الإيراني عن الحدث، كونه “العقل المدبر وقلب المقاومة”.
والهدف الثاني للنظام الإيراني الذي يريد منه استمرار هذه الحرب هو إضعاف الدول العربية ومحاولة جرها لحرب لم يختر العرب زمانها ومكانها، لذا كان الموقف صائبا من قبل الدول العربية، خصوصا مصر والسعودية عندما لم ينجروا إلى هذه الحرب حتى لا يعطوا النظام الإيراني تحقيق أهدافه بجر المنطقة إلى حرب إقليمية ويعطوا فرصة لإنجاح حل الدولتين للقضية الفلسطينية، وأصبحت الدول العربية تعاني من التداعيات السلبية بسبب هذه الحرب الشيطانية.
كاتب وأكاديمي بحريني