لن أكتب عن الراحلة الشيخة الدكتورة خلدية بنت محمد آل خليفة أستاذ الإذاعة والتلفزيون كما كتب عنها غيري، فقد لمسنا جميعا مدى الحب والتقدير للراحلة من قبل زملائها وطلابها، لكنني سأكتب عن مدى تأثير المعلم في المقام الأول عندما يبتسم في وجه أبنائه ويحاورهم ويسأل عنهم وعن ظروفهم من جهة، ويشد عليهم لمصلحتهم من جهة أخرى، تلك الصفات التي يجب أن يتحلى بها من يود أن يكون معلما للأجيال، فقد تميزت الراحلة بحبها لأبنائها الطلبة وحبها لزملائها وطيبة قلبها وخفة دمها وضحكتها التي غالبا لا تفارق محياها وبين الحزم واللين، هكذا كانت الدكتورة خلدية، وهكذا تركت بصمة واضحة بين محبيها.
وقد صادف أن قضيت معها يوما جميلا عندما فاقت من غيبوبتها قبل أن يقدر الله وتغيب مرة أخرى إلى أن لاقت ربا كريما، أوصتني فيه أن أنتبه من “الوهم”، حرفيا كما قالت لي انتبهي من وهم الشهادة، وهم الشنطة، وهم البدلة التي ترتدينها، أوصتني رحمها الله ألا أنجرف وراء الحياة، لأنها وهم كبير نعيشه، ويبدو أنها كانت تقصد كل كلمة مما قالت، فقد كانت كلماتها أنيقة وجميلة رغم تعبها رحمة الله عليها، وأشهد رب العالمين أنني كنت ألامس فيها حب الأم لابنتها المشاغبة، وأعلم أنها كانت تسعد عندما ألقي وجهات نظري وآرائي حول بعض الأمور الخاصة بالعمل والحياة كالقنبلة لتنفجر ضاحكة على ما أقول، وتهدئ من روعي في بعض الأمور، أو تواسيني أحيانا، لكننا في النهاية كنا نتفق أن نكون دوما سعداء.
الأم العزيزة الراحلة د. خلدية، كم كنتي قلبا سعيدا وروحا بحس فكاهة عالية وإنسانة سلسة المعشر، فلا أذكر أبدا أن بدر منك ما يسيء أو “يضيق خلقنا”، كل تلك الصفات ترجمت في حب أبنائك الطلبة وزملاء عملك الذين يشهدون لك أنك كنت إنسانة قبل أن تكوني أكاديمية بارزة، رحمك الله وغفر لك وأسكنك فسيح جناته، وستظل كلماتك التي لامست بها قلوب محبيك محفورة في الذاكرة، في كل موقف شدة أو لين، توجيه أو توبيخ، سيتذكرك أبناؤك، أما نحن زملاؤك فرحم الله قلوبنا ونحن نبدأ فصلا دراسيا جديدا وأنت غائبة عنا، لكننا نواسي أنفسنا كونك عند رب كريم رحيم.
*كاتبة وأكاديمية بحرينية