شاهدت قبل أيام برنامجا وثائقيا عما خلفته الحرب العالمية الأولى والثانية والغزو الأميركي لفيتنام من حالات بؤس وضياع وتشرد وانتحار في صفوف الكثير من الجنود العائدين من تلك الحروب التي كلفت البشرية ملايين الأرواح، قصص مروعة تكشف الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها الإنسان بحق نفسه وحق الآخرين، وأبشعها الظروف المحيطة بالجندي الغربي وعدم إيمانه بالرسالة التي كلف من أجلها، فبعد عودته يمر بحالة نفسية تدفعه إلى الانتحار أو دخول المصحة النفسية.
أحد العلماء ويدعى “مينو” درس قضية الانتحار بين الجنود النمساويين العائدين إلى بلادهم بعد الحرب العالمية الأولى، فوجد أن 634 جنديا عائدا انتحر من مجموع 5450 حالة انتحار بين الرجال منذ سنة 1914 لغاية سنة 1937، وكانت العوامل المؤثرة في انتحارهم هي الأمراض الجسمية، وجروح الحروب والإجرام والإدمان على الكحول، واعتبر “مينو” البعد عن الأهل والوطن عاملا مهما آخر يجب وضعه في الحسبان.
ودرس عالم آخر العلاقة بين الانتحار وجروح الحروب، فوجد من بين 800 ألف جندي ألماني مصاب ومتقاعد حوالي 308 يقتلون أنفسهم كل عام منذ سنة 1937 إلى 1940، واستنتج أن جنود الحرب المصابين لا يزيدون على غيرهم المماثلين لهم في العمر من الناس المدنيين، لكن المصابين في الدماغ هم الذين يشكلون النسب العالية للانتحار.
أما الجنود الأميركيون العائدون من غزو فيتنام، فحدث ولا حرج، بل حتى أن هوليوود استعرضت قصصهم ومشاكلهم في كثير من الأفلام، وأشهرها سلسلة أفلام “رامبو” التي تحكي قصة أحد الجنود العائدين من فيتنام، والذي يلقى رفضا من مجتمعه.
إن ذلك المصير المؤلم لملايين الجنود وإذا نظرنا للقضية من الزاوية الإنسانية، سنلقي اللوم العنيف على من يقدس الحروب والقتل معتقدا أنه يحافظ على تراثه الغربي باعتباره مساهمة من جانبه في الحضارة البشرية.
كاتب بحريني