المؤشرات العالمية تشير إلى أنَّ العالم يتجه في الربع الأخير من العام الجاري نحو تحقيق مستهدفات التضخُّم، والبطالة، وقليل من مستهدفات النمو الاقتصادي. الولايات المتحدة وبريطانيا والعديد من دول مجموعة السبع الكبار بدأت تضبط إيقاع معدلات تضخُّم لتقترب من 2 %، وتشهد تطوُّرات إيجابية واضحة في معدلات البطالة، وتوليد الوظائف. وهو ما يشير إلى أنَّ العام الجاري قد يكون فعلاً عام إعادة التوازنات، كما تمَّت الإشارة إليه في مقال سابق. بيد أنَّ المؤشرات الاستشرافية تشير إلى أنَّ السنوات الخمس الأخيرة من هذا العقد ستكون ارتدادة إيجابية تدريجية نحو معدلات نمو أفضل، وتوسُّع اقتصادي على نطاق الدول الناشئة والمتقدمة على حدٍّ سواء. ما قد يحدُّ من ذلك قضيتان؛ الأولى توسُّع العمليات الحربية بين روسيا وأوكرانيا، ودخول دول أخرى على خطوط المواجهة، والثانية تحوُّل الانتخابات الأميركية نحو الحزب الجمهوري، والرجوع مرة أخرى إلى السياسات الحمائية، وإلى فرض مزيدٍ من القيود على التحرُّكات الاستثمارية خارج الولايات المتحدة من جهة، والتوسُّع في فرض العقوبات الاقتصادية غير العادلة على العديد من دول العالم التي تخالف توجُّهات ترامب وفريقه، من جهة أخرى. بعيداً عن القضيتين، فإنِّ التوجُّهات العالمية، التي يقودها الذكاء الاصطناعي بشكلٍ أساسيٍّ، ستقود إلى معدلات نمو حقيقي قد تتجاوز 4% بحسب كثيرٍ من التوقُّعات العالمية. وتتوزَّع تلك التوجُّهات بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، حيث تشير التوقُّعات إلى أنَّ قطاع الصناعات التحويلية سيحظى، على سبيل المثال، بتوليد قيمة مضافة من الذكاء الاصطناعي تتجاوز 3.5 تريليونات دولار بحلول عام 2030. وقد يتجاوز الأمر ذلك المبلغ في قطاع الزراعة، وقطاع الخدمات، وخاصة الخدمات العامة. وتشير بعض الدراسات إلى أنَّ الاقتصاد الأميركي سيحظى، نتيجة توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بقيمة مضافة تتجاوز تريليون دولار في العقد المقبل، وهي تطبيقات يُتوقَّع أن تدخل إلى نحو 90% من الوظائف القائمة. الشاهد أنَّ العالم اليوم يتجه نحو سياسات مالية ونقدية أقل حدة ممّا كان عليه الوضع قبل عامين، وهو ما بات واضحاً في توجُّهات السياسة النقدية العالمية، التي يقودها الفيدرالي الأميركي، بداية بتثبيت أسعار الفائدة للمرة السابعة على التوالي منذ بداية عام 2023، ومن ثمَّ البدء بتخفيضها خلال الشهر المقبل. الاقتصادات العالمية عليها أن تبدأ بالتخطيط لمزيدٍ من التوسُّع، لا في الاقتراض والاختباء وراء عجز الموازنات العامة، وإنما نحو اقتناص مشاريع الشراكة الكبرى، التي تقوم على البُعد الإنتاجي المولِّد للوظائف في قطاعات الصناعة التحويلية، وفي الزراعة والأمن الغذائي بشكلٍ أساسيٍّ، وليس فقط في مشاريع البنية التحتية الجامدة التي تولِّد تكاليف إدامة وصيانة أكثر ممّا تولِّد قيمة مضافة إنتاجية ووظائف مستدامة.