قرأت قبل فترة كتابا جميلا ألفه الكاتب والطبيب الفرنسي بييار أوسانا، اعتبره النقاد صرخة جسد الإنسان في تمرده ضد الألم والموت.
والدكتور أوسانا طبيب مشهور في معالجته مرض السرطان كفانا الله منه، وهو ككاتب يصور هنا حالة مريض من مرضاه مصاب بالسرطان، وأهمية الكتاب تكمن في أن الكاتب يطغى على الطبيب، إذ يصرح بأن كل شيء لا يمكن أن يتلخص بالجسد، والكتاب يمثل تصويرا لخلجات نفس تتأرجح بين القلق والأمل، نفس يطاردها الخوف والوحدة والحقد أحيانا على الأشخاص الذين يكنون له العطف والتضحية والحب، لكن صحتهم تتحداه، نفس تتساءل عن المصير، وتصارع لكي تقاوم أهواءها.
وإذ ببطل القصة “هنري مدارد” وقد أصبح مهددا، حيث راح يبحث عن لذة الخطيئة في مغامرة جسدية مع إحدى تلميذاته، بالرغم من الحب المتبادل الذي يكنه لزوجته، ثم يزهد بتلك العلاقة، عندما يشتد عليه المرض، ويتطلب مزيدا من العناية، ويجعله ينصب كليا على ذاته. في هذه الأثناء كان طبيب شاب يعالجه في منزله، فوثق به.. وانعقدت صداقة ما بين المريض وطبيبه، وتتالت على المريض سلسلة من الانتكاسات والتحسنات حتى أتى وقت فسدت فيه أخلاقه، وضعفت معنوياته إثر أوجاع جسدية مبرحة، فاعتقد بوجود عاطفة متبادلة بين الطبيب وزوجته، واستولى عليه شعور الحسد والحقد تجاه من سيحيا بعده، فحاول أن يتخلص من زوجته، وإثر صدمة القتل، عاد إلى رشده، وتوصل إلى اليقين الداخلي بأن.. “ليست الحياة في ملاحقة الامتلاك.. وأن للألم وجوده الخاص”.
وبعد أن تصالح مع ذاته وهدأت نفسه، أراد أن تكون زوجته سعيدة، فرضى بأن يموت وأصر على دخول المستشفى بالرغم من أن حالته لم تكن بعد تستوجب ذلك، إذ إن التضخم خف بشكل يثير الدهشة، وبعد أسبوعين، وإثر التهاب في الرئتين، مات كرجل يتمتع بكامل كرامته، تلك الكرامة التي كانت أمله الوحيد.
يتضح من هذه القصة أن الرضا إن كان يضعف الإنسان فهو بعيد عن أن يذله.