العدد 5791
الخميس 22 أغسطس 2024
banner
الإنسان في الحياة أجمل مما هو في الكتب
الخميس 22 أغسطس 2024

عندما قرأنا الظاهرة الأدبية العجيبة مكسيم جوركي في بداية تعلقنا بالكلاسيكيات العالمية، شدتنا رواياته الخالدة وفلسفته وآراؤه عن الثورة ومسألة الواقع وتغييره، وكفاحه من أجل الثقافة والكتاب، وكان من أهم الأدباء الروس الذين نزلوا إلى الميدان غير مسلحين إلا بأفكار ومضامين إنسانية، لكن أغرب ما في هذا الأديب كما قرأنا ولمسنا بأنفسنا عدم وجود أي أثر للمرارة في كتاباته، فنستطيع أن نجد فيها الغضب والسخط والثورة وبعض الشفقة لكن لا أثر للمرارة إطلاقا.

وقد رأى في رحلاته أناسا يعاملون كالبهائم، وآخرين فقدوا آخر ذرة من الكرامة ولم يعد بهم أي أثر للإنسانية، وقد عانى هو نفسه من الضرب والإهانة أكثر من كل الأدباء الروس مجتمعين، ومع ذلك جاءت تجربته متفائلة بالرغم من معاناته.

لقد دعا أكبر الكتاب الروس مثل جوجول، ديستوفسكي، تولستوي، طوال قرن من الزمن إلى الامتثال للواقع، وأعلنوا إفلاس العقل وأشادوا بفضل الألم في التطهر، وخاض الأدب في مستنقع الطبيعة أو تاه في أحراش الرمزية، وتنافست كل من المدرستين في الاتهامات وهربتا من الواقع، إذ اتخذت الثورة عند المثقفين الروس طابعا روحيا برجوازيا، وواجه جوركي الرمزيين بالواقع، كما قابل الطبيعيين بالرومانتيكية المناضلة لأنه احتقر الاستسلام وكره الألم وأكد أولوية العقل.

كتب يقول: “لا أحب أدبنا المعاصر بسبب تشاؤمه، فالحياة ليست بالسوء الذي يصورونها به في الكتب، فالألوان أزهى والإنسان في الحياة أجمل مما هو في الكتب حتى لو كان الكتاب ممتازا، ويسيء الكتاب في رأيي إلى الإنسان، فلم أعرف في حياتي ما هو أفضل وأكثر تعقيدا وإثارة للاهتمام من الإنسان نفسه”.

خلاصة القول.. هناك أدباء كثيرون يشبهون جوركي في أنهم عالم مختبئ خلف أضابيرهم بكل معاني الجدية والعمق الإنساني، وهم ظواهر مازالت تستحق الاهتمام والبحث.

*كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .