عندما قدمت السينما أول إنتاجها بأفلام غزو الفضاء والصعود إلى الكواكب، لم تكن ثمة بعد أية فكرة عن عصر الفضاء الحقيقي الذي نعيشه الآن، ومن هنا كان تجسيد هذه الغزوات الخيالية على الشاشة أمرا معقدا إلى حد بعيد، وكذلك الحال عند بعض الأدباء والكتاب الذين سافروا إلى المستقبل بخيالهم في قصصهم ورواياتهم، وأبدعوا في الرؤية بشكل كبير، وأحد هؤلاء الروائي الأميركي إدوارد بيلامي صاحب رواية “نظرة إلى الوراء” المنشورة في عام 1888م، وتحكي الرواية قصة شاب أميركي يدعى جولیان وست ينوم تنويما مغناطيسيا في سنوات القرن التاسع عشر المضطربة في عالم رأسمالي يقلقه الاستغلال والحقد والكره، ويترك نائما نتيجة عدة أحداث غير متوقعة في قبو تحت الأرض ليصحو في عالم سعيد جديد في القرن الحادي والعشرين، حيث لا بؤس ولا ظلم ولا إجرام، يوقظه طبيب طيب القلب، يساعده هو وأسرته على اجتياز تلك التجربة الغريبة والصعبة بسلام.
فقد جوليان وست أهله جميعا ووجد نفسه في عالم جديد تماما، ولا يعلم من أمره شيئا، فيتولى أصدقاؤه الجدد تعريفه به وشرح نظمه له، وتقوى الصداقة بينه وبينهم نتيجة اهتمامهم به ولإعجابه بهم، كما تنشأ علاقة مودة وحب بين هذا الغريب وبين ابنة مضيفه، لتضفي على العمل ذلك الجانب العاطفي الدقيق الذي لا تكاد تخلو منه رواية، بحيث تتمثل في الرواية العلاقات الإنسانية إلى جانب المسائل الاقتصادية والاجتماعية التي هي لب الموضوع في مثل هذه الروايات.
ورغم أن قصة هذا الشاب قصة شيقة في حد ذاتها، إلا أن قيمة الرواية الحقيقية ترجع إلى الكشف عن هذا العالم الجديد الذي يرى خلال عيون أحد أبناء القرن التاسع عشر، والذي لا يكاد يصدق عينيه من فرط دهشته لما يرى، وهنا تكمن عبقرية بيلامي الذي كشف عن حياتنا اليوم في رواية كتبها عام 1888.
* كاتب بحريني