من الخصائص البارزة لخطابنا العربي غلبة النزعة الشعبوية والهروب الدائم من مواجهة استحقاقات الداخل والحاضر الحضارية والسياسية وإحالتها إلى أسباب خارجية، في حين أن الشجاعة تستدعي مواجهة أسئلة الداخل والحاضر بعيدا عن الأوهام والنزعات الإرادية الجوفاء. السؤال: لماذا نلقي على الخارج تقصيرنا وعجزنا دون النظر إلى إعاقتنا الذاتية وقصورنا الفكري والسياسي؟
وللإجابة عن هذا السؤال المحوري، نتوقف عند 3 نقاط محورية: أولا: إننا نُحيل قضايانا الداخلية إلى فعل خارجي، بالرغم من الإقرار بجدلية العلاقة بين الداخل والخارج، لكن هذه الجدلية يتوجب أن تدفعنا إلى البحث في عيوب الداخل لإصلاحها، لا في تسلط الخارج علينا، فهذا المنطق المقلوب هو الذي قاد إلى تمكن الخارج من اقتحامنا وانتهاكنا باسم الحقوق تارة، وباسم نشر الديمقراطية تارة أخرى. ومن هنا تبدأ الإشكالية باستعدادنا المدهش لاستدعاء هذا الخارج للتدخل في حياتنا واختياراتنا، حتى أصبح هذا الخارج عند البعض منطقة نجدة، يتم الاستنجاد به لحل مشكلاتنا وخلافاتنا لعجزنا عن إدارتها في بعض الأحيان. ثانيا: مع اتساع نطاق وهيمنة العولمة أصبح الاختراق هيكليا ومشروعا، معززة بثورة المعلومات والاتصال. ولم يعد الخارج يستأذن الداخل، لم يعد الداخل قادرا على الصد، بل وفقد تلك القدرة على الدفاع عن خصوصيته، كي يدخل ما يريد من استراتيجيات سياسية واقتصادية وثقافية وتشريعية، فالعولمة جعلت الداخل في الغالب مستباحا وقليل القدرة على المقاومة، وإذا ما فعل ذلك إراديا، اختنق وهمش بعيدا عن دورة الحياة العولمية. ثالثا: نحن نعيش حاليا لحظة تاريخية فارقة، إما أن نعيد لداخلنا العربي لحمته بحيث يكون قادراً على المشاركة والمواجهة، وإما أنه ستتم استباحتنا بالكامل. من هنا تأتي الحاجة إلى مشروع عربي نهضوي جديد لا يزعم أنه سيجابه المشروع العولمي، لكنه يسعى إلى التأسيس لداخل جديد له آلياته، وخصوصياته التي تسمح له بأن يكون شريكاً وليس غريما ولا تابعاً.
وهذا عمل فكري - سياسي من الدرجة الأولى. يتعامل مع معطيات الواقع بعقلانية وواقعية وثقة، بعيدا عن النزعات الأصولية التي تخترع أسئلتها وأجوبتها من الماضي لتدخلنا بشكل دراماتيكي للعيش في دوامة الأوهام. وذلك لأن الماضي لا يمتلك أجوبة شافية وحقيقية لأسئلة الحاضر وتحدياته.
كاتب وإعلامي بحريني