العدد 5777
الخميس 08 أغسطس 2024
banner
تعقيبا على “التعليم ثم التعليم”.. ستبقى “التربية” دوما محط الآمال
الخميس 08 أغسطس 2024

استعرض الأستاذ عبدالنبي الشعلة في مقالة مهمة منشورة في صحيفة “البلاد” في 28 يوليو 2024م، بعنوان “التعليم.. التعليم.. ثم التعليم” نقاطا محورية في ملف التعليم والتحديات التي تواجهه، انطلاقا من قراءة متأنية في أبرز ما جاء في تقرير البنك الدولي بشأن التعليم (مايو 2024م)، باعتبار التعليم “عصب حياة الأمم والعمود الفقري لتطور ونمو وبقاء الشعوب والدول”، ودفعتني تلك المقاربة إلى التوقف عند عدد من النقاط التي طرحت في المقالة من موقع الإثراء.

أولا: إن تطوير التعليم ومراجعته عملية بنائية مستمرة لا تتوقف عند حد، وأمر إصلاحه ومراجعته مطروح بإلحاح حتى في الدول الأكثر تقدما.. إذ جرى التعامل مع هذا الملف في شكل مراجعات متلاحقة، ينجزها خبراء التربية. وعناوينها تحولت إلى علامات بارزة على طريق التطوير ليس للتعليم فحسب، بل لآفاق التنمية المستدامة برمتها. وهي مراجعات تستجيب للإكراهات الاقتصادية، والاجتماعية والإعلامية وغيرها، ما جعل هذا الملف شراكة بين الجهات الرسمية والمجتمع بمختلف مؤسساته الفاعلة، إذ لم يعد الملف صندوقًا مغلقا في حوزة الخبراء لوحدهم بمعزل عن المجتمع.

ثانيا: تخضع “التربية” في عالم اليوم إلى ضغوط تجعلها محطّ الأنظار والآمال؛ لأنها تتحرك تحت الضغط المتواصل من الإعلام والأسرة والتطلعات المجتمعية المتعارضة، فهي مسؤولة عن إعداد الأجيال روحًا وجسدًا.. والمجتمع ما يزال ينظر إليها باعتبارها حمّالة قيم وفق رؤى وأنماط مختلفة إلى حدّ التعارض في بعض الأحيان، وسوق العمل يحمل التربية جلّ مشكلاته وإخفاقاته وخياراته، فيما تطالب مراكز الدراسات والبحوث والمؤسسات الاقتصادية أن تعمل التربية في اتساق كامل معها والالتزام بالمبادئ المرتبطة بالتنمية المستدامة والالتزامات الدولية، والدراسات الصادرة عن المراكز الإقليمية والدولية ذات التأثير الكبير تحمل في طياتها ضغوطا إضافية قد تجعل المجتمع والمدرسة مضطرين معًا إلى إعادة النظر في قضايا التربية والتعليم وإعادة طرحها ومناقشتها من وجهات نظر جديدة تأخذ بعين الاعتبار تلك المتغيرات، التي وضعت التعليم أمام تحد معرفي ومنهجي هائل.


ثالثا: يُطرح على التربية والتعليم تحد غير مسبوق في نوعيته ووتيرته، للمساعدة على الانتقال بالمجتمع من الممارسات التقليدية إلى بناء المعرفة التي تكون جواز عبور إلى عالم الغد وضمانًا لازدهاره. ففي كل يوم تبرز مهن جديدة وتختفي أخرى، كما أن نسبة مهمة من المهن المستقبلية، لا نعرف عنها شيئا كثيرا حتى الآن، بما يجعل الاستثمار في التربية والتعليم مهمة استراتيجية من الدرجة الأولى.

رابعا: على الصعيد الوطني كانت البحرين من بين الدول التي اهتمت بمراجعة وتطوير التعليم وبالتربية الجديدة والتكيف مع تحولاتها على الصعيد العالمي، لذلك كان التعليم فيها قوة الدفع الأساسية نحو التقدم، لإعداد الإنسان كمواطن يعي حقوقه وواجباته ويتمثل مفردات التحول السياسي والحقوقي التي تشهدها البلاد في ظل المشـروع الإصلاحي، وبناء الكتلة التاريخية التي تصهر مكونات المجتمع ضمن سياق وطني ينتظم فيه الجميع، وامتلاك القدرة على بناء الاتجاهات الإيجابية نحو العمل والعمل المهني بوجه خاص، وجعل النظام التعليمي قادرًا على تخريج الطالب المسلح بالمهارات والكفايات الحياتية والمعرفية والسلوكية والمهنية التي تجعله قادرا على ابتداع وابتكار سبل جديدة للعمل والعيش.

خامسا: يجب أن نعترف بأن التربية ليس بوسعها حل جميع قضايا الاقتصاد والسياسة والمجتمع ومشكلات سوق العمل ورجال الأعمال. كما لن يكون بوسعها فعل شيء لوقف هذا التيار الآخذ في الاتساع في مجال عولمة العمل والتعليم ورقمنتهما، لكنها تستطيع قطعًا فعل ما يكفل أن يمتلك الفرد المهارات الكافية للتعلم مدى الحياة، والمرونة الكافية لشغل أكثر من وظيفة والانتقال بين وظيفة وأخرى بيسر وسهولة، وامتلاك الكفاءة اللازمة لخدمة المجتمع والدفاع عن المكتسبات، وامتلاك المؤهلات الكافية للصعود الاجتماعي، المحكوم بالذكاء والكفاءة، وتعزيز موازين الجدارة، وهذه مهمة أخلاقية من الدرجة الأولى.

ومن هنا نعتبر أن العديد من الانتقادات الموجهة للنظام التعليمي ناجمة في كثير منها عن رفع سقف التطلعات بالرغم من ارتفاع تكلفة التعليم في العالم ومحدودية الموارد المتاحة لتطويره بشكل مستمر. لذلك تبقى الموازنة بين الموارد والإمكانات المتاحة والطموح معادلة صعبة في أغلب الأحيان. وللحديث صلة.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .